mercredi 11 juin 2014

dimanche 8 juin 2014

النفس النبيلة

بسم الله الرحمن الرحيم


** النفس النبيلة **


إخوتاه..

إذا تطلعت بعينك.. وتدبرت بقلبك.. وفكرت بعقلك
فسوف تعجز أن ترى صاحب نفس نبيلة!
نفس لا تهمها الدنيا وزينتها؛ فهي تتطلع للآخرة، نفس غنية سامية ذات خلق رفيع..
فلا يصدنك أخي أنك لا ترى إنساناً نبيلاً!
كن هو، وأقم الحجة على الخلق!
كن ذا نفس نبيلة!
فكم من رجل محترم فاضل وقور يصده عن أن يعفي لحيته تصرفات أصحاب اللحى..
وكم من أخت فاضلة طيبة الأصل والعنصر تريد أن تنتقب وتلبس الحجاب الشرعي، ولكن يصدها عن ذلك أن رأت تصرفات بعض المنتقبات - هداهن الله - مشينة..
قال تعالى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]

فما هي النفس النبيلة. 
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

النفس النبيلة نفس غنية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" [البخاري]
نفس ترى النعم بعين التعظيم والامتنان، قال تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]

وليست النعم هي المال أو الصحة!!
إنما النعمة أن يحبك الله ويرضى عنك.. 
أن يصطفيك ويختارك..
أن يصرف عنك الذنوب وينجيك..
أن يدخلك بيته، ويسجدك له، ويسمع نداءك ويقول لك: "لبيك عبدي..

دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قال: فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع وقرظ في ناحية الغرفة، وإذا إهاب معلق فابتدرت عيناي 
فقال: "ما يبكيك يا ابن الخطاب؟"
فقال: يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى.. وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته وهذه خزانتك 
فقال: "يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟" 
قلت: بلى. [الشيخان، واللفظ لمسلم] 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" [الترمذي، وحسنه الألباني]

يقول الحسن البصري: إننا في سعادة لو يعلمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف..

صاحب النفس النبيلة يرى النعم بعين الامتنان، فهو لا يريد شيئاً سوى رضا الله..
ممتنّ حين يأكل.. حين يشرب.. حين ينام.. وحين يبتلى!!

النفس النبيلة تعطي بغير منّ، وتتألم بغير أنّ..
قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}[محمد: 38]، تجد صاحب النفس النبيلة كريمًا، معطاءً، ودودًا، طيّبًا.. وإن لم يكن عنده!
يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إن لم يكن عنده شيء قال للسائل: ابتع عليّ..
فالنبيل لا يشتكي لأحد أبداً مهما نزل به من البلاء؛ فهو يعلم أن: "ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة" [مسلم]، فإن ضاق رزقه أو أصابته مصيبة أو مرض قال: {إنا لله وإنا إليه راجعون}، فلا يلجأ لأحد أبداً إلا خالقه ومولاه..

النفس النبيلة سمتها التضحية، فنكران الذات أصل أصولها، لا ترى لها فضلاً، ولا توجب على أحد حقاً، فإذا طلبت منه شيئاً لا يتوانى عن مساعدتك، وإن كان ذلك على حساب نفسه، وهو مع ذلك لا يرى أن له فضلا عليك، وإن كان له حق عند أحد فلا يؤذي ولا يفرض حقه، لا يخاصم ولا يطالب، ولا يعاقب، ولا يعاتب، ولا يجادل..

النفس النبيلة نفس سامية، تتجاوز الحوادث الجزئية، ولا تنفعل لتفاهات الآخرين، تتسم بحسن الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق" [أحمد وأبو داود وصححه الألباني]
لا تقف عند كل حادثة، وكل موقف، وكل كلمة، ولا تتفرغ للقيل والقال، بل تتنزه عن كل ذلك، فتسامح من ظلمك أو آذاك، وتعفو عمن خانك أو قطعك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعف عمن ظلمك، وصل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، وقل الحق ولو على نفسك". [رواه ابن النجار، صححه الألباني]

النفس النبيلة نفس تتسم بالوفاء تجاه العدو والحبيب!
قال تعالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر،وإذا خاصم فجر" [متفق عليه]
وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة" [أبو داود والنسائي، وحسنه الألباني]
وقال صلى الله عليه وسلم: "المكر والخديعة والخيانة في النار" [أبو داود في مراسيله، وحسنه الألباني]

حتى لو تعاملت مع كافر!
فالتعامل معه يكون على مقتضى عقد صحيح، والمكر به وخيانته وخديعته حرام..
فكيف لو كان هذا مع مسلم!!

والوفاء بالعهود من سمات الأنفس النبيلة، والغدر والخيانة والنكث من أخلاق أعداء الله الكافرين، وأساس في تعامل اليهود الخائنين، فقد قال رب العالمين في كتابه المبين: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100].

النفس النبيلة تتسم بالقوة أمام الأحداث والشهوات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" [مسلم]

النفس النبيلة نفس تخالف هواها وشهواتها وتتبع الحق، يقول ابن القيم: (فمن الناس من ركبته نفسه فقادته إلى المهالك، ومنهم من ركب نفسه فخطمها وأخذ بلجامها، فقادها إلى مكارم الأخلاق)..

النفس النبيلة لذاتها معان، فلا تفرح بسعادة وقتية، ولا تُشترَى بالمال.....
ذبحت الطمع فلا تحمل هماً، أيقنت بأن الله هو الرزاق الكريم، فألقت عن عاتقها حمل هم رزق غد أو بعد غد، لا يفكر صاحبها أو يخطط أو يدبر للمستقبل، فطول الأمل هو الذي يجلب الطمع، والطمع يجلب هم الجمع.. جمع الدنيا..

وحيث أيقن صاحب النفس النبيلة بذلك فهو لا يحقد على أحد، ولا يحسد أحداً، ولا يبغي على أحد، ولا يريد شيئاً من أحد؛
راض .. قانع .. شاكر  
فأجمل شقة في الدنيا : شقته، وإن ضاقت..
وأجمل امرأة في الدنيا : زوجه، وإن ذمت..
وأسرع وأسهل سيارة في الدنيا : سيارته وإن تعطلت.. 
راض.. سعيد .. قرير العين..
والطمع من صفات الكلب!!، قال تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ

النفس النبيلة نفس عفيفة، لا تنظر إلى ما في أيدي الناس، لا تجد صاحبها يمد عينيه ويشتهي شيئاً ليس له أبداً، قال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًاوَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه" [مسلم]..

النفس النبيلة خلقها المروءة..
والمروءة خلق يجمع كل الأخلاق، فتجده صاحب خلق:
أبو بكر رضي الله عنه لم يشرب الخمر في الجاهلية، ولم يكن يعرف أنها حرام!
صفوان بن المعطل لم يزنِ في الجاهلية، ولم يكن ذلك عندهم حراما!
أبو عاصم النبيل يقول: "والله لم أكذب قبل أن أعرف أن الكذب حرام"!
الإمام البخاري يقول: "أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت في عمري مرة"!
ما اغتاب قط!!
ولِم يغتاب؟! وهل يغتاب إلا الحقير الحسود الحقود؟!

والسؤال الآن:
كيف السبيل 
إلى الوصول 
إلى تلك النفس النبيلة؟!!

أخي وحبيبي في الله، املك نفسك!
للنفس هوى، وهواها في المهالك، قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: 23]، وقال جل جلاله: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَهوى النفوس..

وأول الطريق للقضاء على النفس مخالفة هواك:
إذا قالت لك نفسك: اخرج!.. فامكث في بيتك.
وإذا قالت لك: كل!.. فصم.
وإذا قالت لك نفسك: تكلم!.. فاسكت.
مخالفة نفسك فيه رضا الله.. فإياك وهوى النفس

وليس تنفيذ ذلك بالسهولة التي نتحدث بها، ولكن اصبر واثبت، ولك من الله العون والرضا:
• اطلب من الله المدد..
• خالف نفسك..
• أكثر الأعمال الصالحة فإنها تهذيب للنفوس
قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]
وقال سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
وقال جل جلاله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
هذه العبادات شرعت للتزكية، فأكثر من الصلاة والصدقة والذكر والصيام، أكثر من العبادات تزْكُ نفسك.
• خذ حظك من العزلة، لا تخالط البشر فالنفوس سراقة، تجد الذي يجالس الفجار تصبح لغته كلغتهم، ومفرداته كمفرداتهم، وتفكيره كتفكيرهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك؛ إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه، ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير؛ إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه" [أبو داود وصححه الألباني]..
وقد قلت كثيراً: إن أقسى ما ابتلي به المسلمون في هذه الأيام تقليد الكفار!
دعك من ترفهم، واهجر إعلامهم، وتمسك بحبل الله المتين..

إخوتاه..
عليكم بالبحث في تفاصيل الأمر..
أخي وحبيبي في الله!
لا تقنع بما قلت وينتهي الأمر عند ذلك..
اجلس مع نفسك..
واجعل كلامي يتردد في عقلك، وفي قلبك، وأمام عينيك..
عش به في حياتك..
هل أنت صاحب نفس نبيلة أم لا؟
وإن لم تكن كذلك؟ 
فما السبيل إلى الوصول إليه؟

dimanche 1 juin 2014

الله معي

بسم الله الرحمن الرحيم

الله معي

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه أجمعين
قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل، فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار. فقال لي يوما:
ألا تذكر الله الذي خلقك؟
فقلت: كيف أذكره؟
قال: بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات، من غير أن تحرك به لسانك:
الله معي.. الله ناظري.. الله شاهد علي

فقلت ذلك ليالي، ثم أعلمته..
فقال:قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة..
فقلته، فوقع في قلبي حلاوته.. 

فلما كان بعد سنة قال لي خالي:
احفظ ما علمتك، ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة.
فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سرّي، ثم قال لي خالي يوماً:
يا سهل؛ من كان الله معه وناظراً إليه وشاهده أيعصيه؟ إياك و المعصية.

فكنت أخلو بنفسي، فبعثوا بي إلى المكتب، فقلت: إني لأخشى أن يتفرق علي همي، و لكن شاطروا المعلم أني أذهب إليه ساعة فأتعلم ثم أرجع، فمضيت إلى الكتاب، فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين.

 ~^~^ تستفيد من القصة يا ولدي ^~^~ 
الله رقيب , مطلع عليك , يراك في كل أحوالك , فإياك أن يطلع منك على ما يكره.
* استشعر معية الله: {وأنا معه حين يذكرني؛ إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي،و إن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم} , ولا تغفل عن ذكر الله , وتقرب إليه دوماً بما يحب.


استشعر الأنس بالله , واعلم أنه متى أوحشك الله من خلقه بأن نفر قلبك من الاستئناس بهم، فاعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به لتصير له وحده , ومتى فتح لك هذا الباب صيّرك من الأحباب , فاترك الأغيار في مرضاة العزيز الوهاب.

* حافظ على قيام الليل , فإنه دأب الصالحين.
* من علم أن الله معه وناظر إليه وشاهد عليه، يلزمه ألا يعصيه وهو مطلع عليه.

jeudi 29 mai 2014

وصية مودع

أبشـــركــــــــــم...ستمـــــوتــــــــــــون


هذه وصية مودع ..
 
 
الوصية الأولى: "لا تنشغلوا بالناس"
 
 
فتأمل كاف الخطاب في آخر كل كلمة (لسانك، بيتك، خطيئتك) لأن الخطاب يقول: "نفسك.. نفسك". 
نحن في زمن سوء، والناس تخطّـفتهم الفتن، وأهمّتهم أنفسهم بجاهلية هي غيرُ الحق، والشيطان وجد في هذا الزمان مدخلاً يفسد به على المرء دينه بأن يشغله بمن حوله: "انظر ماذا فعل فلان.."، "انظر ماذا قال فلان.."، "انظر ماذا يركب فلان.."، "انظر أين يسكن فلان.."، "انظر فلان ماذا عنده.." وهكذا..
 فلان.. وفلان.. وفلان..
وصرت مشغولاً ليلك ونهارك بالناس وبالأشياء، ونسيت الله. (اللهم ذكّرنا بك فلا ننساك).
في سياق الكاف أنهم انشغلوا بالناس عن الله، فأنساهم أنفسهم. وهكذا حال من تجده مشغولا بالرد على الناس.. مشغولا بإسكات الناس.. مشغولا بإرضاء الناس.. مشغولا بتحسين صورته عند الناس.. هذا هو الضياع نفسه(اللهم نجّنا).
 
الوصية الثانية: "ذروا الشهوات"

يقول ابن القيم في كتاب الفوائد: "ترك المعاصي وإن أنجى من عذاب الله إلا أن كنوز الخير وذخائر البر موقوفة على من ترك الشهوات لله".
الكلام شهوة، والنوم شهوة، والأكل شهوة، والاختلاط بالناس شهوة، وتحسين وتزيين اللباس شهوة... الخ
  دائماً يساق السياق: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، ويوقف عند هذا الحد، ثم تأتي بقية الآية: {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.فالذي يؤمن أن شهواته هناك ستنطلق، يستطيع أن يحجّم شهواته في الدنيا، ويذخرها لانفلاتها خالصة يوم القيامة.
لابد من ترك بعض الشهوات، ونحن نرى كثيرًا من الإخوة يضيّعون دينهم في هذه الأيام من أجل المال، أو من أجل امرأة أو..
إخوتي،،، أبنائي،،
لم أكن أتصور قط أن يأتي يوم نرى فيه بعض الملتزمين وكل همّهم لقمة العيش، ألا فلتذهب لقمة العيش إلى الجحيم إن كان هذا سيقدح في الدين..

لم أكن أتصور قط أن يأتي يوم على ملتزم تكون طاعته فيه لامرأة طاعة مطلقة، سبحان الله!! بعض المواقف قد تبدو في عينيك صغيرة، لكن المواقف الصغيرة..-وهذا من قوانين مدرسة الحياة- .. المواقف الصغيرة تخفي خلفها مصائب كبيرة.
فلان زوجته أنجبت:
- ماذا ستسمي البنت يا بني؟
-سأسميها: "مِنّة الله"
- لماذا يا بني؟ سمّها فاطمة. 
- لا. زوجتي أصرّت، ولا أريد أن أغضبها.
 أقول إن مثل هذا الموقف قد يبدو في عينيك صغيراً، ولكن عندما توضَع فيه، وتضطر أن تسمي ابنتك رغم أنفك: "هي اسمها كذا وإلا.. فتأهّب لتنغيص حياتك" ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هذه هي الحقيقة التي لا تفصح عنها لأحد، إنك تفعل ذلك لمجرد أن هذه الشخصية ستنغص عليك معيشتك، تفعله إذن خوفاً منها. أليس هذا قادحا في التوحيد؟ شيء مخيف!!
هذا موقف صغير جداً وتافه، سمّها منة الله.. ذاك ليس بحرام، وارضِ امرأتك.. لا مشكل، ولكني أتكلم عن عمق المأساة.. فتنبّه.
. وأقول للإخوة الذين التزموا الالتزام الشكلي: {عَلَى خَوْفٍ.....} إن أصحاب الإيمان الذي يقوم على غير أصل ثابت، تضطرب قلوبهم عند لمعان السيوف أو بريق الذهب والفضة.. تضطرب قلوبهم عند الخوف وعند الرجاء.. عند الشدة وعند الرخاء.. عند المحنة وعند النعمة...تجد الواحد من هؤلاء إذا خاف فرّط في التزامه ودينه...، وإذا فتح الله عليه الدنيا فرّط فيهما من جديد، واهتز قلبه.
إنها مرحلة الأمان: أن لا يُحبس.. ولا يُضرب.. ولا يُهان.. ولا يُؤذى..
مرحلة الحرص  على الرخاء: أن يأكل جيداً.. وينام جيداً.. ويقضي شهواته جيداً..
متى نعبر هذه المرحلة؟ متى نعبرها لنؤْثر الله على شهواتنا.. على ذواتنا؟

وإن قال ربي شيئا فلا اعتراض، بل على الجميع أن يقول: "سمعنا وأطعنا" عوض أن نسمع تساؤلات من قبيل:"أفضل مني لماذا؟"، "أفضل مني بماذا؟"..
 لقد أقام ربي تراتبية في البيت لأنه سبحانه عليم بالنفوس، ويعلم أن البيت الذي يحكمه رجلان يتوقف، فلا مجال لتساوي السلط لضمان سلاسة الحياة ويسرها،  على أن الرجل يجب أن يدرك المسؤوليات التي تلقى على عاتقه -لداعي القوامة- فلا يظلم ولا يجور.
وفي ذات الآية بيّن الله سبحانه وتعالى أن المعترضات على هذا لسن من أهل الله: {فَالصَّالِحَاتٌ قَانِتَاتٌ} يعني: مطيعات مستسلمات.
 
 
 
الوصية الثالثة والأخيرة: "أحسنوا"
 
 
مازلنا نعيش حياة عشوائية، وبناءًا عليه جاءت الأعمال عشوائية، فلم يعد هناك إحسان في العمل، وعزّ الإتقان فيما يُفعَل. يُفعَل.
كم أتمنى أن أرى الأخ الذي يحسن الوضوء، ويحسن الصلاة، ويحسن ارتداء الملابس المتاحة له، ويحسن الهيئة والسمت الصالح، ويحسن الكلام، ويحسن حتى في عمله الدنيوي..
يحسن..
الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
الإحسان أقل درجاته أن تراقب الله: "الله يراك"، ومنه إحسان المعاملة مع الآخرين.
إخوتي في الله،،،
 أحسنوا..
 أحسنوا لبعضكم البعض..
قد صارت الحياة ملأى بالتربص: الكل متربص بالكل، والأعصاب شُدّت، بل انفلتت..
فيا أحبائي.. أحسنوا  
 
 
أُخرجوا من هذه الوصية بهذه الكلمات الثلاث:
 
 
لا تنشغلوا  بالناس: دع من يقول يقول، ومن يعلو يعلو ، ومن يقع يقع... وانشغل بالله وحده.
اتركوا الشهوات لله: فمنهجنا يحتاج إلى وقت: نحتاج إلى وقت كي نعبد الله؛ كي نقرأ.. كي نختم القرآن.. كي نقول بعض الأذكار.. كي نتعلم بعض العلم.. كي ندعو إلى الله عز وجل.. كي نربي أولادنا.. كي نحكم نساءنا..
نحتاج لفعل كل ذلك وغيره مما لا مجال لذكره في هذه الوصية المختصرة.
فلا تنشغلوا بالناس، وذروا الشهوات كي يبقى أكبر وقت لله.
. . . فأحسنوا..
 
 
 
و أخيراً...
 
 
 أبــــــــــــــــــشركــــــــــــــم.. ستمـــــــوتـــــــــــون..
 ســـتـــــــــــــــــــــمـــــوتـــــــــــون والـــــــلـــــــــه..
 وتدخـــــــــــــــلـــــــــــــــــــون القبــــــــــــــــــــور..
 وتـــــــــــــــــلقـــــــــــــــــــــــــون الــــــــلـــــــــه..
 وســـــــــــــــــــيســــــــــــــــــــألكـــــــــــــــــــــم..
 
 
 
اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله.

samedi 24 mai 2014

الهدف: بين الإفراط و التفريط

بسم الله الرحمن الرحيم 
 
الهدف: بين الإفراط و التفريط


أيها الإخوة

إن التطرف والغلو والتساهل والتفريط كلاهما داء واحد، ومشكلة واحدة..
يقول ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان)

"ومن كيد الشيطان العجيب، أن يشام النفس – أي يقترب منها – ويلتمس ما فيها، ويحس، ويشعر، ويعرف أصل المسألة في النفس. إنه يشام حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها؛ قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة"
حين يلتزم الملتزم ويبدأ الطريق، نقول له:

أخي الملتزم وحبيبي في الله

إنك حين تلتزم بعد فترة من المعاصي والسيئات، وتترك الشيطان، وتقبل على الله لا يتركك الشيطان، كيف وقد خدمك سنين؟! كيف وقد كنت صديقه الحميم؟! كيف وقد كنت حبيبه القريب؟! كيف وقد كان يستعملك في نصرة باطله على دين الله؟! كيف يتركك؟! إنه يقترب منك، يريد أن يضلك بأية طريقة، فيبدأ أول ما يبدأ يشام النفس، فيستشعر أنك حاد نشيط قوي النفس، أو أنك مهين بطيء لين بعيد هادئ ليست فيك أية قوة، ينظر أي القوتين تغلب، فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام، أخذ في تثبيطك وإضعاف همتك وإرادتك عن المأمور به وثقله عليك، فهون عليك تركه جملة أو تقصيرًا فيه.
إخوتاه
إن من أقدار الله الكونية العجيبة وجود تلك الجماعات، فأنت تجد على طرف أناسًا في منتهى الحماس والقوة، يغلبهم الطيش فيتصرفون بدون عقل ولا علم. وعلى الطرف الآخر تجد أناسًا لا يتكلمون إلا فيما فوق السماء وتحت الأرض، وما بينهما لا علاقة لهم به، لا يأبهون بأمراض الأمة ولا بتغيير منكر ولا بشيء، وهذا من عجيب تقدير الله سبحانه وتعالى.

 طرفان 

تجد الإنسان يبحث عما يناسبه من هذين، والشيطان يجره إلى ما يناسب نفسه، إن رأى نفسه تميل إلى المهانة والإحجام ثبطه وقال: " لا داعي للتشدد ولا للتقعر والشدة، لماذا إجهاد النفس؟ .." ثم يتهم الجماعات المخالفة له بالعُقد والتزمت.
وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به؛ كقصة الشباب الثلاثة الذين أتوا بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن عبادته فكأنهم تقالوها. تعْجب وأنت تقرأ الحديث – رضي الله عنهم أجمعين – ! تعْجب من أناس يستقلون عبادة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم تقالوها، و ذلك أن الشيطان أخذ يقلل عندهم المأمور ويوهمهم أنه لا يكفيهم، وأنهم يحتاجون معه إلى مبالغة وزيادة. يقصر بالأول، ويتجاوز بالثاني يشده إلى أعلى.
وكما قال بعض السلف: "ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي الشيطان بأيهما ظفر، وقد اقتطع كثيرًا من الناس، إلا أقل القليل في هذين الواديين".
وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه.
و تلك مصيبة، مصيبة ضخمة أنك تجد إنسانا يشتد في الأمر ويغلظ فيه، فيتجاوز الحد، وآخر يفرط فيه، فلا تجد له أصلاً.
يقول ابن القيم: " فقوم قصّر بهم الشيطان عن الإتيان بواجبات الطهارة،وقوم تجاوز بهم إلى مجاوزة الحد بالوسواس".
كنت أتوضأ بالجامع الأزهر يوما، ثم رأيت رجلاً في أثناء الوضوء وهو يمسح على رأسه، فما مسّ إلا أقل القليل في أسفل الرأس عند خط انتهاء الشعر، فقلت في نفسي: "أهذا هو مسح الرأس عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟" وعندما اقتربت منه لأنصحه برفق قال لي: "وماذا في ذلك يا جاهل؟" قلت: "سبحان الله! وماذا يضرك لو فعلت السنة وهي الأحوط ومسحت بجميع رأسك؟! "
على النقيض من هذا المثال تجد آخر يضع رأسه كلها تحت الصنبور، ولا يصدق أنه قد مسح رأسه، ومثل هؤلاء من أصحاب الوساوس كثيرون.

 → طرفان 

قوم قصّر بهم الشيطان عن إخراج الواجب من المال؛ الزكاة المفروضة، وقوم تجاوز بهم حتى أخرجوا جميع ما في أيديهم، وقعدوا كلا على الناس مستشرفين ما بأيديهم.
قصّر بقوم عن خلطة الناس حتى اعتزلوهم في الطاعات كالجمعة والجماعات، وتعلم العلم، والجهاد، وتجاوزبقوم حتى خالطوهم في الظلم والمعاصي والآثام.
قصر بقوم حتى منعهم من الانشغال بالعلم الذي ينفعهم، قالوا: "العلم يفرق"!"العلم يقسي القلب"! "خلافات العلماء"! "نكتفي بكذا وكذا"! .. وتجاوز بآخرين حتى جعلوا العلم وحده هو غايتهم دون العمل به ولا الدعوة إليه ولا تعليمه، فصار العلم عندهم غاية، رغم أنه وسيلة للعمل.
وقصّر بقوم حتى زين لهم ترك النكاح و هو سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فرغبوا عنه بالكلية، وتجاوزبآخرين حتى زنوا ووقعوا في الحرام.
قصّر بقوم حتى جفوا الشيوخ من أهل الدين والصلاح، وأعرضوا عنهم، ولم يقوموا بحقهم، وتجاوز بآخرين حتى عبدوهم مع الله.
هكذا تجدهم، تقول: "إن الإمام أحمد كان يقول كذا". فيرد عليك قائلا: "الذي يقوله لا يلزمني؛ هم رجال ونحن رجال!!"
وتجاوز بالصوفية حتى جعلوا شيوخهم آلهة مع الله.
قصّر بقوم حتى منعهم قبول أقوال أهل العلم، ولم يلتفتوا إليها بالكلية، وتجاوز بآخرين حتى جعلوا الحلال ما أحلوا والحرام ما حرموا، وقدموا أقوالهم على قول الله - جل وعلا- وكلام النبي صلى الله عليه و سلم.
هذا عمل الشيطان. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".
وقال: " هلك المتنطعون".
وقال: " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا واستعينوا بالغدوة، وشيء من الدلجة".
فالتطرف والغلو من الأسباب التي تنحرف بالكثيرين عن طريق الالتزام، فالذين يحملون أنفسهم فوق ما تطيق ولا يقبلون التوسط في شيء، ويصرون على الغلو في كل شيء، هؤلاء معرضون بشكل أو بآخر لانتكاسات نفسية وإيمانية.
أيها الشباب
إنني – والله – لكم ناصح أمين
إن النفس البشرية ضعيفة، وهي قد تتحمل العزائم حينا، ولكنها لا تقوى على حملها في كل حين أبد الدهر. لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم: " يا حنظلة، ساعة وساعة ".
≈ انتبه ≈
"ساعة و ساعة" بفهم سلفي، ليس بفهم المتسيبين.
ليس بفهم الذين يقولون: "ساعة تسمع القرآن، وساعة تسمع الأغاني!" ليس بفهم: "ساعة تصلي، وساعة تزني!" ليس بفهم: "ساعة تجلس في مجلس الذكر وتلاوة القرآن، وساعة تقامر وتلعب وتعصي الرحمن"
لا
بل ساعة وساعة، أي ساعة يعلو فيها الإيمان حتى تكون الجنة والنار كأنهما رأي عين، وساعة تعافس فيها الزوجات، وتلاعب فيها الأولاد، وتعالج فيها الضيعات، فينخفض المستوى الإيماني قليلاً، ولكنه لا يبلغ درجة الوقوع في الحرام أبدا، بل ولا حتى التوسع في المباحات.
لذا أيها الإخوة، تدرجوا في التحمل حتى تتمكنوا من الاستمرار، ولا تحملوا النفس بالتكاليف دفعة واحدة.
إن شرع الله يجب أن يؤخذ بلا زيادة أو نقصان، فالذي يزيد فيه كالذي ينقص منه، وحدود الحلال والحرام يجب التزامها - كما جاء بها الشرع - بدون تحايل عليها أو تأويل لها أو تساهل بها، فالذي لا يعرف من صفات الله إلا أنه غفور رحيم، يجب أن يصحح معلوماته، ويعرف أنه كذلك شديد العقاب، والذي لا يعرف إلا: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12] يجب أن يصحح فيعرف أنه أيضاً رحيم ودود.
أيها الإخوة
إننا ينبغي أن ننتبه لهذه القضية، فإنك قد تجد بعض الناس في بداية الالتزام يلزم نفسه بتحريم كل شيء دون اجتهاد في العلم، ودون صبر في الطلب، ودون إذعان إلى كلام العلماء الكبار الذين عرفوا الشرع من منابعه، وتلقوه من مصادره، واستقبلوه من أسسه وأصوله، فلذلك تجد هؤلاء أول من يقعون فيما حرموا، ثم بعدها يكون التفلت والعياذ بالله، وقد ذكرت لكم أن النفس قد تتحمل في البداية، ولكنها لا تستطيع أن تتحمل دائماً إلا شرع الله، لأنه معلوم أصلاً أن الله لا يكلف بما لا يطاق، فإذا التزمنا الشرع فكل ما أمر به الشرع يطاق، ويمكن الاستمرار عليه، أما ما ابتدعناه واخترعناه وأخرجناه من عند أنفسنا دون كلام كبار العلماء من أهل السلف – رضوان الله عليهم – فإننا لا نطيقه، لذا سرعان ما ننكص ونعود.
في مقابل ذلك، نرى أن الذي عوّد نفسه على الرخص في كل حين لن يتمكن من حملها على العزائم في أي حين، لأن من تعوّد الرخص يسقط في أول امتحان عزيمة، وتكون البلية والنهاية.
إنني أرى بعض إخواننا - وللأسف الشديد- كل حياته رخص، كل حياته تساهل؛ في حياته التجارية، تعاملاته المادية، في حياته العائلية، في حياته الوظيفية، في كافة شؤونه، لا يكاد يرى حرجا في شيء، ولو رده إلى الشرع لوجد فيه انحرافاً وإثماً مبينا، و قديما قال بعض العلماء: "من تتبع رخص العلماء تزندق".
فمثلاً يسلم على النساء زاعما أنهن من القواعد، وينظر إليهن قائلاً: "إن النظرة الأولى إذا كانت بدون شهوة ولا رغبة فلا بأس". ثم يأكل الحرام و يقول: "إن الأصل في الأشياء الحل"، و"هذه فيها شبهة"، و"أنا محتاج"، و"تلك ضرورة".. وهكذا يتوسع ويتوسع حتى تصبح حياته محطا لكل رذيلة، يجمع فيها سقطات العالم كله، وهذا – للأسف الشديد – لابد أن يسقط سريعاً؛ لأنه لا يبقى له من دينه من شيء.
قال الحسن رضي الله عنه: " السنة – والذي لا إله إلا هو – بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها - رحمكم الله - وقد كان أهل السنة أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، إنهم الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنة نبيهم حتى لقوا ربهم، فكذلك فكونوا - إن شاء الله- ".
و السؤال الآن:
ما السبب في الغلو والتفريط؟ في التنطع والترك؟
السبب هو الهوى
فإن الإنسان يتابع هواه، وإذا دخل الهوى إلى القلب وضخّه مع الدم، توغل في العروق والمفاصل، فصارت العروق تنبض بالهوى، والمفاصل تتحرك بالهوى، فلا تصل إلى الله أبدا؛ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين؛ ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة؛ وهي الجماعة" – زاد بعضهم في رواية – وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله".
أيها الإخوة
إننا لا نعرف الاتزان والوسطية في اختلافاتنا، ولا علاقاتنا للأسف الشديد، ولكن يجب أن نعرفها على الأقل في ديننا، وهذا هو الأصل، وهو العلاج.
ما هو علاج الغلو والتفريط؟
←العلاج هو العلم
فبدون العلم لا يأمن الإنسان على نفسه الانحراف عن الصراط المستقيم، وقد أتي الكثير من قِبل الجهل وقلة العلم، ثم إنه لابد من طلب العلم بمنهجية.
إن الإخوة ما زالوا يطلبون العلم هواية، وهذا لا يصلح ولا يصنع علما، ولا يثمر ثباتاً، لابد من طلب العلم بجدية ومنهجية وانضباط.
بوّب الإمام البخاري بابا فقال: "باب العلم قبل القول والعمل" لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]لذا قال علماؤنا - رحمهم الله - " إن كل سَيْر لا يصاحبه علم يخاف عليه أن يكون من خدع الشيطان".
لابد في سيرك إلى الله من علم، لابد من قوتين: قوة علمية تعرف بها الطريق وقوة عملية تسير بها، فالعلم بلا عمل يؤدي إلى النفاق، والعمل بلا علم يؤدي إلى الابتداع، والنجاة في العلم والعمل، لابد من علم وعمل، فالشيطان حين يرى عبدا من عباد الله قد عزم على السير إلى الله، فإنه يحاول منعه بكل الطرق والوسائل، فإن لم يجد الشيطان بدا من سير العبد سيّره بجهل فضلّله.
قال الله:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل:24]
وقال عز من قائل:{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (*) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: 37،36].
إنني كثيرا ما أذكركم بأية - أحسبها أخوف وأخطر آية في القرآن- وهي قول الله تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (*) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} .

أخَــيّ

إنك لابد وأن تثبت حتى تمتلئ يقينا أنك على الحق الصرف، وأنت ترى الشيطان إذا حاول الإنسان أن يسير في الطريق بدون علم، يحاول أن يشككه في أمور العقيدة، فيطرح عليه أسئلة عن الخلق والقدر، عن الأسماء والصفات..الخ، فإن لم يتحصن السائر إلى الله بالله ثم بالعلم، فإنه سيسقط في براثن الشيطان، ويبدأ في الانحراف عن الصراط المستقيم، كما كان الحال من الفرق الضالة التي تسمع عنها، والشيطان قد يزين للإنسان الباطل فيراه حقا.
يقول ابن القيم:" فمن الناس من يتقيد بلباس لا يلبس غيره، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره، أو بمشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنها، أو بعبادة معينة لا يتعبد بغيرها، وإن كانت أعلى منها، أو بشيخ معين لا يلتفت إلى غيره، وإن كان غيره أقرب إلى الله ورسوله منه، هؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى مصدودون عنه"
والطريق الوحيد لأن تعلم أنك على الجادة الصحيحة أن تأتي جميع أعمالك خلف رجل واحد هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم.
إن الشيطان يحاول وسيحاول دائماً وجاهداً أن يوقع العبد في البدع والشهوات، فإن لم يتحصن بالعلم، ولم يتبع هدي الرسول صلى الله عليه و سلم ولم يقتفِ أثره، فسيقع فيها دون أن يدري.
فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم - وهو المعصوم و أفضل الخلق - لم يترك الزواج، لم يعتزل الناس، ولم يترك التداوي، فلا ينبغي أن نخالفه قيد أنملة، فالشريعة هي الحجة، وأفعال الرسول وتوجيهاته هي الميزان الذي نزن به أفعالنا، فنجعله صلى الله عليه و سلم - كما قال ابن القيم – " إماما وقدوة وحاكما، نجيبه إذا دعانا، ونقف معه إذا استوقفنا، ونسير إذا سار بنا، ونقبل إذا قال،وننزل إذا نزل، ونغضب لغضبه، ونرضى لرضاه، إذا أخبرنا عن شيء أنزلناه منزلة ما نراه بأعيننا، وإذا أخبرنا عن الله بخبر أنزلناه منزلة ما نسمعه من الله بآذاننا، فالطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأتباع الرسول إذا قعدت بهم أعمالهم قامت بهم عزائمهم وهممهم ومتابعتهم لنبيهم، والمنحرفون عن طريقه إذا قامت بهم أعمالهم واجتهادهم، قعد بهم عدولهم عن طريقه"
ولابد هنا من ضابط آخر لمسألة اتباع النبي صلى الله عليه و سلم وهو فهم السلف، فلا بد أن نأخذ الكتاب والسنة بفهم هؤلاء السلف؛ انتبه إلى قول بعض السلف في قاعدة من القواعد الفقهية بأن: " كل نص عام لا يجوز العمل ببعض أفراده إلا إذا سبق عمل السلف به".
مثاله: نحن دخلنا المسجد بعد أذان العشاء وقبل الإقامة، والرسول صلى الله عليه و سلم قد قال :" بين كل أذانين صلاة" و لدينا ركعتان سنة هنا، فيقول البعض: "ما رأيكم أن نصليها جماعة"، فهل يصح هذا أم لا؟
لقد قال رسول صلى الله عليه و سلم :"صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" فصلاة الجماعة أفضل، فهل تصلي جماعة؟
كان رد العلماء أن هذا نص عام، لا يجوز تخصيصه في مسألة أو قضية، إلا إذا كان قد جرى عمل السلف بهذه الطريقة، لذلك الذين يقولون أذكار الصباح والمساء في جماعة، والذين يصلون ركعتي الضحى في جماعة.. إلخ نقول لهم: "اتقوا الله، فإن هذا لا يجوز"، أما عندما رأينا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد صلى الشفع والوتر في رمضان في جماعة، فتكون صلاتها في جماعة سنة.
فكل نص من نصوص العموم، لا يجوز تخصيصه إلا إذا عمل السلف به.
فينبغي أن نعلم أن القضية ليست النص وحده، وإنما القضية فهم النص بفهم سلف الأمة؛ كيف أجروه؟ وكيف عملوا به؟
أيها الإخوة
إن كان في النهاية من خلاصة فهي أنه:
بدون العلم لن يستطيع الإنسان أن يسير سيراً صحيحاً مأموناً إلى الله، فالطريق إلى الله مليء بالعقبات والمنعطفات، ولن يتمكن السائر فيها من رؤيتها إلا بالاستعانة بالله، ثم التحصن بحصن العلم، والعمل بمنهج السلف وعلى نهجهم.
و بالله التوفيق
اللهم علّمنا ما ينفعنا، و انفعنا بما علّمتنا
و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم
و الحمد لله رب العالمين