vendredi 28 février 2014

مداراة الفتنة


مداراة الفتنة


إن الله عزوجل لما خلق الدنيا دار امتحان، خلقها ليعلم الصادق من الكاذب، والذي آثر رضاه عن رضا نفسه وهواه، فامتحننا بهذا الامتحان. وغريزة التعلق بالجنس الآخر غريزة جعلها الله في كل إنسان، وأمرهم بأن لا يصرفوها إلا في الحق للمصلحة، فأمر بالزواج ونهى عن الزنا، وما كانت هذه الغريزة ابتلاء –خاصة بالنسبة للشباب- إلا لأن أمر الزواج صعب جدا، خاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه متطلبات الحياة، وفسدت فيه أخلاق الناس ... فلم يعد من اليسير الحصول على زوجة إلا بعد حين من الدهر،  بل إن قمة الابتلاء، ليست في صعوبة الزواج، بل في سهولة الزنا، والتي أصبح أمرها ميسرا لدرجة معروفة لا توصف، وهنا الامتحان فإما أن تعلم أن لك ربا تجود بكل شيء لإرضائه، محبة له سبحانه، وحياء منه سبحانه، ورجاء فيه سبحانه، وإما أن نتجرأ عليه، وننسى وجوده وإطلاعه، فنعصاه، ولا نهتم بأمره ونهيه، خصوصا مع ستر الله لعباده وإمهاله لهم، حتى يظهر كأنه يهمل، وهو في الحقيقة يمهل، ليرى سبحانه انقسام الناس إلى فريقين واضحين، فلذلك كان الابتلاء، ولذلك كانت الجنة والنار، فاختر أُخَيَّ أي الفريقين تختار.  

قال :"إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت  في النساء" بل عند البخاري:"ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء"
- قال ابن عباس رضي الله عنه:"لم يكن كفر من مضى إلا من قبل النساء، وهو كائن كفر بمن بقي من قبل النساء"
- قال سعيد بن المسيب رحمه الله، وهو ابن 89 سنة، وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: "ما أيس الشيطان من نبي قط إلا أتاه من قبل النساء، وما شيء أخوف عندي من النساء"   
- قال سعيد بن جبير رضي الله عنه:"لأن أؤتمن على بيت من الدر، أحب إلي من أن أؤتمن على امرأة حسناء"
- قال معاذ بن جبل رضي الله عنه:"ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر، وإن أكثر ما أخاف عليكم من ذلك من قبل النساء إذا تسورن الذهب، ولبسن وباط الشام وعصب اليمن، فأتعبن الغني، وكلفن الفقير ما لا يجد"
 فالحذر الحذر، قالوا:"فتش عن كل جناية تجد للمرأة فيها إصبعًا" لأنه وكما قال الله تعالى:{وخلق الإنسان ضعيفا}قال طاووس فيها: "إذا نظر إلى النساء لم يصبر" ولهذا بالضبط قال :"من يضمن لي مابين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة"

فأخطر فتنة تواجه الرجل الملتزم اليوم (للمتزوجين وغيرهم) هي فتنة النساء، قال :ما تركت فتنة بعدي هي أضر على الرجال من النساء لهذا فإننا وبجد، نحتاج إلى حل عملي مستعجل لهؤلاء الرجال، وبخاصة الشباب.

قال ابن الجوزي:"إنما يوصف الدواء لمن يقبل؛ فأما المخلِّط فإن الدواء يضيع عنده"
لذلك أخي، إذا لم تكن قادرا على الزواج، فانس الموضوع مطلقا، ثم ترجل للأخذ بالخطوات التالية، لأن دينك وطموحاتك سيكونان في خطر:

{وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}
قال الإمام أحمد يرفعه إلى يزيد بن ميسرة: 'إن الله يقول: أيها الشاب التارك شهوته لي، المتبذل شبابه من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي'

1-الدعاء بأن يحفظك الله من هذه الفتنة، ويعجل لك بالزواج من حيث لا تحتسب، وهنا لابد من مراجعة فقه الدعاء، وفقه الابتلاء أيضا.

2-الاجتهاد في تحصيل الباءة، فديننا علمنا الرجولة وعدم الكسل، وعلمنا عدم الاعتماد على الناس فـ "اليد العليا خير من اليد السفلى" وعلمنا عدم مراعاة نظر الناس... فالذي تعلم هذا، فإنه لا يتورع على العمل في أي عمل كان -ما دام مشروعا- غير مباليا بنظر الناس مطلقا – لأن غالب ما يصد الناس عن العمل هو هذا – غير مستعجل الغنى، شحيح في بداية تجارته لكي ينميها ويفتح فروعا لها ...

3- مواجهة التأثر بالجمال والدلال؟  (فالجمال فتان، والدلال قتال، ولو مع مومن شديد الإيمان، لأن عدم التأثر بهما ليس بالإمكان)

1- الابتعاد عن أماكن تواجد النساء في غير حاجة لأن المرأة كالقنبلة الموقوتة، من اقترب منها انفجرت فيه حتى وإن ظن المقترب العكس، فـ"من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر وكل إلى نفسه، ورب نظرة لم تناظر! وأحق الأشياء بالضبط والقهر: اللسان والعين فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى، مع مقاربة الفتنة، فإن الهوى مكايد، وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه" لهذا، اسمع أخي نصيحتي هذه، ابتعد عن النساء وأماكن تواجدهن تسعد، لأن الابتعاد عما يثير الإحساس، يميت الإحساس، فلا ينبغي لك الذهاب للنزهة في الأماكن التي يكون النساء والتبرج فيها صارخ، بل لا ينبغي لك السكن أو السفر أو العمل في في تلك الأماكن وأنت تجد ملجأ آخر، فهذا مما ينبغي أن يكون من المسلمات عند كل من يريد صلاح نفسه.

قال :"إياكم والجلوس في الطرقات، فقال الصحابة: مالنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، فقال: إذا أتيتم المجالس فأعطوا للطريق حقها فقالوا: وما حق الطريق؟ فقال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر" (م ع)

ولقد صدق من قال:"لو كان القرآن ينزل في هذا الزمان، لقال الله تعالى للرجال، وقروا في بيوتكم" ونحن نقول، إن لم يكن القرآن قد قالها،    فرسول الله  قد قالها، فعن ابن مسعود موقوفاً ومرفوعاً قال:"إنه سيأتي على الناس زمان تمات فيه الصلوات، وتشرف فيه البنيان، ويكثر فيه الحلف والتلاعن، ويفشو فيه الرشا والزنا، وتباع الآخرة بالدنيا، فإذا رأيت ذلك فالنجاء النجاء. قيل: وكيف النجاء؟ قال: كن حلسا من أحلاس بيتك، وكف لسانك ويدك" ومثله حديث آخر قاله النبي  في حل النجاة من الفتنة.


2- الالتزام بغض البصر، فالإنسان بطبعه ضعيف أمام الجنس الآخر، وإطلاقه للبصر في تأمل جمال الوجه والبدن، أمر لا يصبر عليه المرء، فإما أن يقوده إلى الزنا، وإما أن يمرضه بداء العشق. خاصة بالنسبة للرجل، فالمرأة حتى وإن أعجبت بجمال الرجل، كما حدث للاتي قطعن أيديهن لجمال يوسف -فالإعجاب بالجمال أمر فطري في الكل- إلا أنه لا يقارن بما يحدث للرجل عند رؤية جمال المرأة، فالرجل يثار بالجمال، بينما المرأة فإنما تثار بشخصية الرجل وعواطفه أكثر من جماله، وهذا لا يكون إلا بعد شيء من المعرفة له، فنصدق قولة من قال:"الرجل يحب من عينيه، والمرأة من أذنها" ولهذا سبق الله تعالى الرجال فقال: {قل للمومنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} فالنظر سبب الفتن، لذلك قال ابن عباس: "الشيطان من الرجل في ثلاثة منازل: في بصره، وقلبه، وذكره، وهو من المرأة في ثلاثة منازل: في بصرها، وقلبها، وعجزها"وقال ابن مسعود:"ما كان من نظرة فان للشيطان فيها مطمعا" وكما قال عيسى ابن مريم:"النظر يزرع في القلب الشهوة، وكفى بها خطيئة'

فالنظر إذن إلى الجنس الآخر بشهوة لا يجوز باتفاق العلماء. قال :"اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة: إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا ائتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم" وقال :"حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللهِ، حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ" (صححهما الألباني)

فقضية النظر ليست من القضايا السهلة، فالإنسان مادام ذو عين يرى بها، فلابد وأن يرى أمام عينيه نساء جميلات يفتن من النظرة الأولى، خاصة في زماننا المتبرج هذا، فهو لما رأى زينب، من النظرة الأولى اضطرب حتى قال:"سبحان مقلب القلوب" فليس العيب هنا، ولكن العيب في التتبع، لهذا قال لعلي:"لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الأخرى" لأن الأصل فيها، أنها تولد خطرة، ففكرة، فشهوة، فإرادة، فإذا غاب الإيمان، ولدت عزيمة، فـ .. والله {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} قال ابن عباس في تفسيرها: "هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله من قلبه، أنه ود لو اطلع على فرجها، وأن لو قدر عليها فزنى بها" ابن أبي حاتم في الصارم المشهور . ولكن {إن الذين اتقوا، إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} لأنه وكما قال :"كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، فهو مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه"(م ع)لأن أمواج بحار النساء الهائجة، لن تترك من يمر أمامها من الرجال سالما،    فعلى الأقل يبتلون ببعض مياه تلك الأمواج، فالمرأة تسلب الرجل، خاصة إذا كانت جميلة أنيقة، ومتعة معاشرتها متعة لا يمكن مقاومتها، ورياح الشهوة إذا هبت، غطت العقل والقلب عن مشاهدة حقائق الايمان، فيدخل في غيبوبة تضعف عن المقاومة، ومن أراد السلامة، فليبتعد

ورضي الله عن سفيان الثوري: لما قرأ قوله تعالى:{وخلق الإنسان ضعيفا} قال: المرأة تمر بالرجل، فلا يملك نفسه عن النظر إليها، ولا ينتفع بها، فأي شيء أضعف من هذا" فإذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حرب فاستتر منها بحجاب «‏قل للمؤمنين» وقد سلمت من الأثر‏ «‏وكفى الله المؤمنين القتال» وكما قال ذو النون:'اللحظات تورث الحسرات، أولها أسف، واخرها تلف، فمن طاوع طرفه تابع حتفه' لأن من أطلق نظراته دامت حسراته على الجمال المتجدد الباهر. ويزكي ذلك قول الإمام أحمد:"كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل"   لذلك كان التناصح بغض البصر هو الواجب، قال وكيع:"خرجنا مع الثوري في يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا"

وغض البصر لا يتحقق إلا بما يلي:
- الخشية من الله، سئل الجنيد عما يستعان به على غض البصر؟ فقال:"بعلمك أن نظر الله إليك اسبق إلى ما تنظر إليه" ورحم الله الإمام أحمد حين قال:"إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت، ولكن قل علي رقيب، ولا تحسبن الله يغفل ساعة، ولا أن ما تخفي عليه يغيب"  
- حب الله سبحانه، واستشعار الترك من أجله عزوجل، حين تترك ما تريد نفسك، لما يريد ربك أن تترك من أجله، كدليل على الحب الصادق.
- إزالة الانبهار والذل واللهف الفائق الحد بالجنس الآخر، هذا لا يعني أننا ننكر أن الجمال يفتن، والغريزة تلح، فهذا الأمر عادي بل فطري، ولكن ننكر هذا الهوان المبالغ فيه في الانهزام والذل أمام الشهوات، فالمرء يحتاج إلى نوع من السمو عن ذلك، واستشعار الأنفة من ذله، خاصة في الأماكن العامة، لا تنذل لمن لا يستحق، فأغلب ذلك انخداع وعمى عن العيوب، أعز نفسك، واجمع الهم حولها، وتغافل عن سواها.
- استشعار الحياء والأدب والجمال في توجيه النظر أرضا في غير حاجة، قالت النساء وصدقن في ذلك: "غض البصر، نصف جمال الرجل"
- غض القلب عن النظر، لأن هذا هو الغض الحقيقي، ولا يكون ذلك إلا بالقناعة، فمن لم تكفه زوجته، فجميلات الكون لن تكفيه. 

والورعين في ذلك كثر، فقد كان الربيع ابن خثيم يمشي، فمر به نسوه فغض بصره وأطرق حتى ظن النسوة انه أعمى فتعوذن بالله من العمى وخرج حسان بن أبي سنان في يوم عيد، فلما عاد، قالت له امرأته:'كم من حسناء قد رأيت؟ فقال: والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك' بل لقد قال عمرو بن مرة:'ما أحب أني بصير، أني أذكر أني نظرت نظرة وأنا شاب' أما ابن سيرين فقال:'     ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا في نوم، غير أم عبد الله (زوجته) وإني لأرى المرأة في المنام، فأعلم أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها'

وانظر إلى عظمة الأمر عندهم كيف كان، فعن عمرو بن مرة قال:"نظرت إلى امرأة فأعجبتني، فكف بصري، فأرجوا أن يكون ذلك جزائي"
وقال منصور بن إسماعيل:"كنت إذا نظرت إلى الشيء الحسن، يأخذ من قلبي المأخذ الشديد، فسألت الله أن يذهب بصري، فذهب"
وقال موسى بن صالح:" نظر رجل من عباد بني إسرائيل إلى امرأة جميلة نظرة شهوة، فعمد إلى عينيه فقلعها"

فالمهم يا أخي، كم من نظرة تحلو في العاجلة مرارتها لا تطاق في الآجلة؟ يا بن آدم قلبك قلب ضعيف، ورأيك في إطلاق الطرف رأي سخيف، يا طفل الهوى متى يؤنس منك رشد؟ عينك مطلقة في الحرام، ولسانك مهمل في الآثام، وجسدك يتعب في كسب الحطام. كم نظرة محتقرة زلت بها الأقدام؟ فيا عجباً للمشغولين بأوطارهم عن ذكر أخطارهم! لو تفكروا في حال صفائهم في أكدارهم، لما سلكوا طريق اغترارهم،     أما يكفي في وعظهم وازدجارهم {قُل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}؟ أين أرباب الهوى والشهوات؟ ذهبت والله اللذات وبقيت التبعات، وندموا إذ قدموا على ما فات، وتمنوا العودة وهيهات، فتلمح في الآثار سوء أذكارهم {قُل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}

قال الأصمعي: رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة، فجعلت أملأ عيني من محاسنها، فقالت لي: يا هذا ما شأنك؟ قلت وما عليك من النظر، فأنشأت:"وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر -- رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر"
مازلت تتبع نظرة في  نظرة في نظرة

   في  إثر  كل  مليحة  و مليح
وتظن  ذاك  دواء جرحك وهو في ال

  تحقيق تجريح  على  التجريح
فذبحت   طرفك    باللحاظ   و  بالبكا

  فالقلب  منك  ذبيح   أي  ذبيح






"النظرة سهم من سهام إبليس، فمن غض بصره لله، أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه، يوم يلقاه" أحمد (ضعيف)




3- الالتزام بضوابط العلاقة بين الجنسين بشكل كامل، خاصة أثناء المعاملات الضرورية بين الجنسين. (راجع ضوابط العلاقة بين الجنسين)

فإياك أخي أن تفتح عليك باب الفتنة، حين تحدثك نفسك مثلا بأن تدعو من تفتنك ولو للالتزام، فإني أخاف عليك أن تقع فيما يناقض التزامك، ورحم الله ميمون بن مهران حين قال:"ثلاث لا تبلون نفسك بهن، لا تدخلن على سلطان، وإن قلت آمره بطاعة الله، ولا تدخلن على امرأة، وإن قلت أعلمها كتاب الله عزوجل، ولا تصغين سمعك لذي هوى، فإنك لا تدري ما يعلق به قلبك منه" وتأمل في سيدنا سفيان الثوري الذي جاءته امرأة فقالت له:'إني أريد أن أسألك عن شيء؟ فقال لها: أجيفي -أغلقي- الباب ثم تكلمي من وراء الباب" وإن كان هذا ليس ضروريا، غير أنه ورع يستشهد به. لذلك، ابتعد عن النساء، ووالله لن تجد طريقة أفضل لدعوة النساء للالتزام بالدين، بأفضل من ترى منك القوة في الثبات على الدين وعدم الرضوخ للشهوات، فكم تاب من الجنسين ممن رأيناهم، لما رأوا الإعراض ممن عرضوا أنفسهم عليهم بسبب التدين

ويُحكي انه كانت هناك امرأة جميلة بمكة، وكان لها زوج، فنظرت يوما إلى وجهها في المرآة، فأعجبت بجمالها، فقالت لزوجها :أترى يرى أحد هذا الوجه لا يفتتن به؟! قال: نعم .قالت: من؟  قال: عبيد بن عمير. قالت: فأذن لي فيه فلأفتننه، قال:  قد أذنت لك! فأتته كالمستفتية، فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام، فأسفرت المرأة عن وجهها، فكأنها أسفرت عن مثل فلقة القمر، فقال لها: يا أمة الله ! فقالت: إني قد فتنت بك فانظر في الأمر، قال: إني سائلك عن شيء، فإن صدقت، نظرت في أمرك. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك . قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاك يقبض روحك أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت . قال: فلو أدخلت في قبرك، فأجلست لمساءلة أكان يسرك أني قد قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو ن الناس أعطوا كتبهم لا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أردت المرور على الصراط، ولا تدرين تنحني أم لا تنحني، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو جيء بالموازين، وجيء بك لا تدرين تخفين أم تثقلين، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. ثم قال لها: اتق الله يا أمة الله،   فقد أنعم الله عليك، وأحسن إليك. فرجعت إلى زوجها .فقال لها: ما صنعت؟ فقالت له: أنت بطال، ونحن بطالون، ثم أقبلت على الصلاة، والصوم، والعبادة. فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي زوجتي، كانت كل ليلة عروسا، فصيرها راهبة.  

قال عبيد بن عمير (صاحب القصة):"من صدق الايمان وبره، أن يخلو الرجل بالمرأة الحسناء، فيدعها، لا يدعها إلا لله عزوجل"
قال تعالى:{ولمن خاف مقام ربه جنتان} فسرها مجاهد بأنه:"هو الذي إذا هم بمعصية، ذكر مقام الله عليه فيها فانتهى"


4- سد مداخل الشيطان، وذلك بتوقي المهيجات الشهوانية، فالتلفاز منبر الشيطان الذي يحاول أن يصور الدنيا كالمدينة الأفلاطونية الفاضلة، التي لن تتحقق واقعا (زينة مبالغ فيها باستخدام المؤثرات المرئية والصوتية –رومانسية كاذبة –أخلاق مصطنعة – سعادة دائمة...)      بينما النت فالداخل إليه بنية حسنة، يخرجه منه الفضول واللهفة (لمعرفة فضائح الفنانين مثلا) بمعاص بالجملة، فما خلا رجل بحاسوب،    إلا كان الشيطان ثالثهما، فإن الخلوة حتى وإن ثبت معها المرء في الأول، فإن كثرة التكرار لها مع الضعف، تسقط المرء في المحظور ولابد، ولهذا منعت الخلوة مع الحرام، خاصة وأن من أدمن المقاطع العاطفية المصحوبة بالجنس ضاع زواجه، وصار لا يثار إلا بها لقوة الإثارة، والحل أنه ينبغي إزالة هذا الانبهار والذل واللهف للجنس، والفضول لمشاهدة فضائح الحيوانات البشرية، فماذا هناك؟ لاشيء عري وبهيمية من أناس أدمنت الرذيلة، ولاغير. أما الكتب التي تعرض لروايات العشاق وقصصهم في غزل النساء ووصفهن وطرق مجامعتهن، فلا تعليق.

6-استشعار دنو الأجل، فما هي إلا أيام قلائل، ثم معانقة حورياتك وسط الجنان والأنهار، بجمال لم يخطر لك على بال، فسلعة الله غالية، وسلعة الله الجنة، والجنة لا يدخلها إلا أصحاب التضحيات، قال تعالى:{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} والتضحية بالمرأة دليل على قوة الحب لله تعالى، لهذا قالوا:"بالنار يختبر الذهب وبالذهب تختبر المرأة وبالمرأة يختبر الرجل" قال سهل بن عبد الله التستري: "أعمال البر يعملها البر والفاجر، ولا يجتنب المعاصي إلا صديق" فالحب والسعادة هناك، والجمال هناك، وكل ما تريد هناك، وهذه الجزئية من أهم جزئيات العلاج، لولا أني أعرف أنها أبعد شيء يفكر فيه الإنسان بصدق، ولو استقر الإيمان في قلوبنا ووقر، لتغيرت حياتنا كلها. قال تعالى:{قل أأنبئكم بخير من ذلكم، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار وأزواج مطهرة ورضوان من الله}

يقول ابن القيم في حادي الأرواح:".. إن سألت عن عرائسهم و ازواجهم، فهن الكواعب الاتراب اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت، إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين، وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها، و يرى مخ ساقها من وراء اللحم ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها، لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا وتكبيرا وتسبيحا، ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولا غمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ونصيفها على رأسها خير من الدينا وما فيها، ووصالها أشهى إليه من جميع امانيها، لا تزداد على طول الاحقاب إلا حسنا و جمالا، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالا، مبرأة من الحبل والولادة والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الادناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه، وقصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر اليها سرته، وإن أمرها بطاعته أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، فهو معها في غاية الأماني والأمان، هذا ولم يطمثها قبله انس ولا جان، كلما نظر اليها ملأت قلبه سرورا، و كلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤا منظوما ومنثورا، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا. وإن سألت عن السن؟ فأتراب في أعدل سن الشباب، وإن سألت عن الحسن؟ فهل رأيت الشمس و القمر؟ وإن سألت عن الحدق؟ فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن حور. وإن سألت عن القدود؟ فهل رايت أحسن الأغصان. وإن سألت عن النهود؟ فهن الكواعب، نهودهن كألطف الرمان، وإن سألت عن اللون؟ فكانه الياقوت والمرجان، وإن سألت عن حسن الخلق؟ فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمع لهن بين الحسن والاحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس، قرة النواظر. وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك؟    فهن العرب المتحببات إلى الازواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج، فما ظنك بامراة إذا ضحكت في وجه زوجها، أضاءت الجنة من ضحكها؟ وإذا انتقلت من قصر إلى قصر، قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها، وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة، وإن خاصرته، فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة،  حديثها السحر الحلال، وإن غنت فيالذة الأبصار والأسماع، وإن أنست وأمتعت، فيا حبذا تلك المؤانسة والامتاع، وإن قبلت، فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل .." - راجعه -

4- كيفية مواجهة آثار الحب؟

وهنا لابد من القيام بجلسة مختلية، لبحث كيفية تجاوز هذا الإشكال الذي يصد عن الله تعالى:
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   
1-     الأصل أن تكون مستعدا للزواج قادرا عليه إذا أردت أن تفتح قلبك للحب، فمن لا يستطيع تلبية جميع حاجات محبوبته كزوجة،     الواجب عليه التمنع من الاسترسال في الطمع فيها، لأن الواقع حينها سيكون مدمرا، والرجل الحقيقي لا يرضى أن يكون عاجزا امام زوجته

2-     لابد أن يكون المحبوب مستحقا للحب بدينه وأخلاقه، صالحا للزواج بطباعه وخصاله، فكم من شخص تريده لا يستحق حبك لو عرفته، لذا لا تتزوج إلا بمن تستحق، فلو تخيل الرجل مثلا، ليستشعر جمال المرأة المومنة، الصائمة القائمة، الحيية المنيبة .. لما اختار عنها بديلا.

قالوا في هذا المقام: "المرأة بلا فضيلة كالوردة بلا رائحة، والرجل بلا فضيلة لا يختلف عن البهيمة!"

فلا ينبغي للرجل أن يحب امرأة لا خلق لها، فإنها ولو كانت أجمل أهل زمانها، والأظرف في تعاملاتها، فإنه لا ينبغي أن تسمح لنفسك أن تقع في حبها ما لم تتب نادمة، لأن كل فاسق فاسد، ودرجة فساده متعلقة بدرجة فسقه. ويا لقبح فتاة لا حياء لها وإن تحلت بغالي الماس والذهب قال مالك بن دينار:"مكتوب في التوراة امرأة حسناء لا تحصن فرجها كمثل خنزيرة على رأسها تاج وفي عنقها طوق من ذهب، يقول الناس ما أحسن هذا الحلي وأقبح هذه الدابة" فالتي لم تقيم عرضها، وبالغت في كشف مفاتنها، تحادث هذا وهذا وهذا، بلا حياء ولا حشمة، وبألفاظ صار الرجال يستحيون من ذكرها، وبطموحات لا تتعدى بطنها وفرجها ومظهرها، وبهموم لا تتجاوز قدرتها على اصطياد الرجال، بالنظرة الفاتنة والمشية المنكسرة واللباس الفاضح، أفهذه امرأة تحب حب خلة وتملك؟ ولكن أين هم أهل الغيرة الذين يرون أن الوردة التي يشمها الكثيرون من دون حق، تفقد عبيرها؟ ولكن لم الاستغراب؟ فالفتنة تسلخ المرء لا شعوريا عن فطرته، وتفعل أكثر من هذا.

أما المرأة فلا ينبغي أن تسمح لنفسها ان تسقط في حب فاسق ما لم يتب نادما، ولو كان أوسم وأغنى أهل زمانه، بل وفتنك كلامه وجماله، فما أقل دناءة المرأة إذا رضيت بفاسق فاجر لها زوجا، رجل لا يعرف إلا بدئ الكلام، ورذيل الأخلاق، لا يتورع عن ذنب إلا عمله، ولا عن خيانة إلا ارتكبها، فهل هذا رجل يحب؟ ولكن أين العاقلات المومنات الزاهدات، اللواتي يعلمن أن كنز الرجل الحقيقي - دينه وخلقه –

ثم احذرا السحر المتمثل في وجه الخاضع المحب، فإن به رقة أسحر من سحر هاروت وماروت، تجعله يظهر كأنه أظرف إنسان في الدنيا، وإن كان أفجر واحد فيها، فتلك الرقة لا تسمن ولا تغني من جوع، فالحال هو الحال، ولن يتغير إلا بتوبة نصوح تظهر تجلياتها على الواقع.

3-أعط لكل ذي حق حقه، ولكل شيء قدره. والمعنى أنه لا ينبغي للمحب أن يجور على حقوق الغير، فحق الله ينبغي أن يكون محفوظا، وحق النفس كذلك، وحق الأم كذلك، وهكذا للجميع... وبخاصة  الأولى، فالمومن المومن لا يضيعهما ولو بروحه. فإن اعتذر المحب بقوله: نحن متعلقان ببعض وبقوة. قلنا له: إذا كان حبكما سبب في البعد الله، فلا خير في هذا الحب، فحب الله في قلب المومن أقوى من كل شيء، والمومن لا يرضى بالانشغال عن الله وعن نفسه حتى وإن أحب، وذلك لأن الشيء الذي يعكف القلب عليه من دون الله عزوجل، ينبغي تفريغ القلب منه لله تعالى، لأنه وكما قال ابن سمنون في قولته الجميلة:"أما سمعت قول النبي إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة أو تمثال؟  فإذا كان الملك لا يدخل بيتا فيه صورة أو تمثال؟ فكيف تدخل شواهد الحق قلبا فيه أوصاف غيره من البشر؟" هذا من جهة الحقوق.

أما من جهة إعطاء كل شيء قدره، فإن المحب لا ينبغي له أن يتجاوز الحد المسموح به في مستلزمات الحب والعشق أكثر من اللازم،   (كالذل والانهزم الذميمين، والعذاب والشتات المفرطين، والتعرض للمرض النفسي والجسدي، والعيش في الأحلام العاطفية اللارجولية)  فكون المرء محبا، مشتاقا، ذاكرا لمحبوبه.. فهذا أمر عادي، إلا أن العيب هوأن يتعدى الحد، ويسقط في تلك الأمور أكثر من اللازم، كأن يعكف أمام بيتها مثلا، فهذه الخصال لا يرضى بها رجل، خاصة إذا تم إظهارها للملأ، وهذا لا يعني أن تنقلب الأمور إلى كبر وجفاف، فهذا أيضا تطرف، إلا أنني أقول سدا للذرائع، لا تسترسل مع نفسك، فإن النفس إذا تركت وهواها، لم تعرف ضوابط ولا قيود.

4-     فإذا كان هذا الحب غير متاح (إما بعدم القدرة على الزواج، أو بعدم إتاحة المحبوب لأي سبب كان) فالواجب أن يعلم أن هذا ابتلاء،  الواجب تقبله بهدوء تام، بأن يعلم أن هذا الشخص ليس له، وأن يرضى عن الله بذلك -لعلمه بسبب البلاء- وذلك لألا يسقط في المحذور، فإن قلت وما السبيل إلى ذلك؟ قلت بثلاث خطوات لا رابع لها:

-          الرضا بقضاء الله حين صرف عنك ما تظن أن فيه مصلحتك، ففوض أمرك لله تعالى ولن تضيع.
-          المجاهدة في عدم الاسترسال في تذكره، مع الابتعاد الكامل على المحبوب، فوالله إنها البعد ينفع، فأكبر مصيبة دوام رؤيته.
-         انتظار حب جديد، فإن قلت وهل يمكن ذلك؟ قلت نعم، فالحب يحدث عند التوافق بين زوجين في الظاهر والباطن، وهذا متاح.      فإن قلت كيف أنسى من أحببتها، فهذا ليس من الحب ولا من الوفاء؟ أقول: أنت لم تفعل هذا عمدا، وإنما الظروف، فلو يسرت لك لما تركتها.

وأنا هنا أقول قولا، ربما المبتدئين في التدين، قد يصعب عليهم فهمه، إلا أنني أقوله، لأنه ربما إذا ارتقوا في مراتب الايمان، قد يفهمونه: "إن الله عزوجل قد خلقنا –وهو المحب لنا بقوة، الرحيم بنا بشدة- خلقنا، وهو يريد أن يخرج كل شيء تتعلق به النفس من دونه، حتى تصير خالصة له سبحانه، فتنصلح وتصطفى لتكون أهلا لجوار الله وحبه، فيصبر على ابتلائها بالشدائد العظام ويمنعها أحب محبوباتها، ليربيها ويرى صدق إيمانها وتسليمها، قال سبحانه:{إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} فهو يعلم أن فرجها قريب قال سبحانه الرحيم مدافعا:{والضحى والليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى} فإذا منعت أيها المحب، فاذبح قلبك حينها لله تعالى بسكين اليأس، واحتسب الأجر عنده سبحانه، آخذا الأسوة بسيدنا إبراهيم الذي قال لابنه   -بعد أن ذبح قلبه- :{يا بني، إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى؟ قال يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين} فلا بد من البلاء الشديد، رغم أنه لا يراد لذاته، فالله كما يصبر على تأجيل العقوبة للعصاة، يصبر على تأجيل العطاء للأحبة. (راجع فقه البلاء)

5-     الصبر على الانضباط بوصفة الدواء، وذلك بأخذ الجرعات المعينة طيلة مدة العلاج {وأن تصبروا خير لكم إن كنتم تعلمون} ثم استبشر بحديث رسول الله -الذي وإن كان ضعيف السند فهو صحيح المعنى- وهو قوله :"من عشق فعف وكتم وصبر، غفر الله له وأدخله الجنة" أحَبهـا فكَتم .. وعَمل وانتظر. أحَبته فأخْفت .. وتَمنت ودَعَتْ. فأجَاب الله لحُسن انتِظاره. وصِدق دعواتِهـا. وتَزوجـَا. هكذا يكون الحب الحلال أما من يحب أكثر من واحدة، فهذا ينبغي عليه الحزم والقوة الجبارة، في أن يختار واحدة منهما ويترك الأخرى –إن لم يكن من هواة التعدد-

قال كونفوشيوس:"ما أقدس الرجال، لو كان حبهم لله يعادل حبهم للمرأة"  
فإذا فهمت المقصود، اعلم أن الابتلاء بهن مقصود

5-كيفية مواجهة المرأة الجميلة التي افتتنت بك، ولا سبيل لها إليك بالحلال؟ [ والخطاب موجه للنساء قياسا ]

لا تكن أخي ممن يبيع دينه بدنياه، حتى ولو مع أجمل وأرق نساء العالمين، لأنها محط الابتلاء لإظهار حقيقة محبة الله تعالى، فالله عزوجل  لم يخصص سورة بأكملها ليبين عظمة ما قام به سيدنا يوسف اعتباطا؟ ولم يجعل الذي قال  لذات المنصب والجمال التي عرضت نفسها عليه "إني أخاف الله" من السبعة الذين سيظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله اعتباطا؟ فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

قال :"سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابت في الله فاجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله" مالك (ص أ)

فالله ربك  و لن يضيعك يا من أعجبت بفتاة -وأنت قادر عليها- ثم تركتها لله، فالله سيرزقك من ستنسيك إياها إذا صبرت واحتسبت لله. فالله على ذلك أكثر من قدير، لكن كن عبدا لله كما يريد، حتى  يكون لك فوق ما تريد "فسيغنيك يا مسكين" فـ {ها أنتم أولاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}

 


قصص المتعففين والمتعففات:

·   قال :"لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، اثنتين منهن في ذات الله عز وجل، قوله:{إني سقيم} وقوله:{بل فعله كبيرهم هذا} وبينما هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة، دخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبّار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء، فأرسل إليه أن يا إبراهيم، من هذه التي معك؟  قال: أختي، ثم رجع إليها فقال: لا تُكذّبي حديثي؛ فإني أخبرتهم أنك أختي، والله ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك، فأرسل بها إليه، فقام إليها، فقامت توضّأ وتصلي فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تُسلّط عليّ الكافر، فغُطّ حتى ركض برجله، فقالت: اللهم إن يمت يُقال هي قتلته، فأُرسل، ثم قام إليها فقامت توضأ تصلي وتقول: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تُسلّط علي هذا الكافر، فُغطّ حتى ركض برجله، فقالت: اللهم إن يمت يقال هي قتلته، فأُرسل في الثانية أو في الثالثة فقال: والله ما أرسلتم إلي إلا شيطاناً، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر، فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام فقالت: أشعرت أن الله كَبَتَ الكافر، وأخدمَ وليدةً؟ " البخاري

· وذكر الزبير بن بكار أن عبد الرحمن بن أبي عمار نزل مكة وكان من عباد أهلها، فسمي القس من عبادته، فمر يوما بجارية تغني، فوقف فسمع غناءها، فرآها مولاها فأمره أن يدخل عليها، فأبى، فقال: فاقعد في مكان تسمع غناءها ولا تراها، ففعل، فأعجبته، فقال له مولاها، هل لك أن أحولها إليك؟ فامتنع بعض الامتناع ثم أجابه إلى ذلك، فنظر إليها فأعجبته، فشغف بها وشغفت به، وعلم بذلك أهل مكة، فقالت له ذات يوم: أنا والله أحبك، فقال وأنا والله أحبك، قالت فإني والله أحب أن أضع فمي على فمك، قال وأنا والله أحب ذلك، قالت فما يمنعك، فإن الموضع خال، فقال لها ويحك، إني سمعت الله يقول:{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} فأنا والله أكره أن يكون صلة ما بيني وبينك في الدنيا، عداوة في القيامة، ثم نهض وعيناه تذرفان بالدموع من حبه.

· عن ابن عمر قال: لقد سمعت من رسول الله حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين،حتى عد سبع مرات ما حدثت به، ولكن سمعته أكثر من ذلك قال:"كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة، أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك أكرهتك، قالت لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط، قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط، قالت حملتني عليه الحاجة، فتركها ثم قال اذهبي والدنانير لك،ثم قال والله لا يعصي الله ذو الكفل أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه غفر الله لذي الكفل

· وذكر المبرد عن أبي كامل عن إسحاق بن إبراهيم عن رجاء بن عمرو النخعي قال كان بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبد والاجتهاد فنزل في جوار قوم من النخع فنظر إلى جارية منهن جميلة فهويها وهام بها عقله ونزل بالجارية ما نزل به فأرسل يخطبها من أبيها فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الجارية قد بلغني شدة محبتك لي وقد اشتد بلائي بك فإن شئت زرتك وإن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى منزلي فقال للرسول ولا واحدة من هاتين الخلتين {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أخاف نارا لا يخبو سعيرها ولا يخمد لهيبها فلما أبلغها الرسول قوله قالت وأراه مع هذا يخاف الله والله ما أحد أحق بهذا من أحد وإن العباد فيه لمشتركون ثم انخلعت من الدنيا وألقت علائقها خلف ظهرها وجعلت تتعبد وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت من ذلك فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده ويدعو لها فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في منامه في أحسن منظر فقال كيف أنت وما لقيت بعدي قالت: نعم المحبة يا سؤلي محبتكم حب يقود إلى خير وإحسان، فقال على ذلك إلى ما صرت فقالت إلى نعيم وعيش لا زوال له في جنة الخلد ملك ليس بالفاني، فقال لها اذكريني هناك فإني لست أنساك فقالت ولا أنا والله أنساك ولقد سألت مولاي ومولاك أن يجمع بيننا فأعني على ذلك بالاجتهاد فقال لها متى أراك فقالت ستأتينا عن قريب فترانا فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات.

·   أمرَ قومٌ امرأةً ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خيثم لعلها تفتنه، وجعلوا لها إن فعلت ذلك ألف درهم !فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها، فراعه أمرها، فأقبلت عليه وهي سافرة، فقال لها:كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك، فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت،فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير  فصرخت صرخة، فخرت مغشيا عليها، ثم أفاقت، وبلغت من العبادة ما أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق

· وقال الحسن البصري كانت امرأة بغي قد فاقت أهل عصرها في الحسن لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار وإن رجلا أبصرها فأعجبته فذهب فعمل بيديه وعالج فجمع مائة دينار فجاء فقال إنك قد أعجبتني فانطلقت فعملت بيدي وعالجت حتى جمعت مائة دينار فقالت ادفعها إلى القهرمان حتى ينقدها ويزنها فلما فعل قالت ادخل وكان لها بيت منجد وسرير من ذهب فقالت هلم لك فلما جلس منها مجلس الخائن تذكر مقامه بين يدي الله فأخذته رعدة وطفئت شهوته فقال اتركيني لأخرج ولك المائة دينار فقالت ما بدا لك وقد رأيتني كما زعمت فأعجبتك فذهبت فعالجت وكدحت حتى جمعت مائة دينار فلما قدرت علي فعلت الذي فعلت فقال ما حملني على ذلك إلا الفرق من الله وذكرت مقامي بين يديه قالت إن كنت صادقا فمالي زوج غيرك قال ذريني لأخرج قالت لا إلا أن تجعل لي عهدا أن تتزوجني فقال لا حتى أخرج قالت عليك عهد الله إن إنا أتيتك أن تتزوجني قال لعل فتقنع بثوبه ثم خرج إلى بلده وارتحلت المرأة بدنياها نادمة على ما كان منها حتى قدمت بلده فسألت عن اسمه ومنزله فدلت عليه فقيل له الملكة جاءت بنفسها تسأل عنك فلما رآها شهق شهقة فمات فأسقط في يدها فقالت أما هذا فقد فاتني أما له من قريب قيل بلى أخوه رجل فقير فقالت إني أتزوجك حبا لأخيك قال فتزوجته فولدت له سبعة أبناء.

· وقال حصين بن عبد الرحمن بلغني أن فتى من أهل المدينة كان يشهد الصلوات كلها مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يتفقده إذا غاب، فعشقته امرأة من أهل المدينة، فذكرت ذلك لبعض نسائها، فقالت: أنا أحتال لك في إدخاله عليك، فقعدت له في الطريق، فلما مر بها قالت له: إني امرأة كبيرة السن ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها، فلو دخلت فحلبتها لي-وكانوا أرغب شيء في الخير- فدخل فلم ير شاة، فقالت: اجلس حتى آتيك بها، فإذا المرأة قد طلعت عليه، فلما رأى ذلك عمد إلى محراب في البيت فقعد فيه، فأرادته عن نفسه فأبى، وقال: اتقي الله أيتها المرأة فجعلت لا تكف عنه ولا تلتفت إلى قوله، فلما أبى عليها صاحت عليه، فجاءوا، فقالت: إن هذا دخل علي يريدني عن نفسي، فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه وأوثقوه، فلما صلى عمر الغداة فقده، فبينا هو كذلك إذ جاءوا به في وثاق، فلما رآه عمر، قال: اللهم لا تخلف ظني به قال: مالكم؟ قالوا: استغاثت امرأة بالليل، فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها، فضربناه وأوثقناه، فقال عمر: اصدقني، فأخبره بالقصة على وجهها فقال له عمر: أتعرف العجوز؟ فقال: نعم، إن رايتها عرفتها، فأرسل عمر إلى نساء جيرانها وعجائزهن فجاء بهن، فعرضهن، فلم يعرفها فيهن، حتى مرت به العجوز، فقال: هذه يا أمير المؤمنين، فرفع عمر عليها الدرة وقال: أصدقيني، فقصت عليه القصة كما قصها الفتى، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف.

· خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ومعهم أصحاب لهم، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا لهم . فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم، وبقي عطاء قائما يصلي، فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة! فلما شعر بها عطاء ظن أن لها حاجة، فخفف صلاته، فلما قضى صلاته، قال لها: ألك حاجة؟ قالت: نعم .فقال: ماهي؟ قالت: قم فأصب مني، فإني قد ودقت (أي رغبت في الرجال) ولا بعل لي، فقال: إليك عني، لا تحرقيني ونفسك بالنار، ونظر إلى امرأة جميلة، فجعلت تراوده عن نفسه وتأبى إلا ما تريد، فجعل عطاء يبكي ويقول: ويحك! إليك عني، إليك عني، واشتد بكاؤه، فلما نظرت المرأة إليه وما دخله من البكاء والجزع، بكت المرأة لبكائه  فبينما هو كذلك إذ رجع سليمان بن يسار من حاجته، فلما نظر إلى عطاء يبكي، والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت، بكى لبكائهما، لا يدري ما أبكاهما، وجعل أصحابهما يأتون رجلا رجلا، كلما أتاهم رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهم، لا يسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء، وعلا الصوت. فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت، وقام القوم فدخلوا، فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالا له وهيبة،         ثم إنهما قدما مصر لبعض حاجتهما، فلبثا بها ما شاء الله، فبينما عطاء ذات ليلة نائما استيقظ وهو يبكي: فقال سليمان: ما يبكيك يا أخي؟ قال عطاء: رؤيا رأيتها الليلة، قال سليمان: ما هي؟  قال عطاء: بشرط أن لا تخبر بها أحدا مادمت حيا، قال سليمان: لك ما شرطت، قال عطاء: رأيت يوسف في النوم، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر، فلما رأيت حسنه بكيت، فنظر إلي في الناس، فقال: ما يبكيك أيها الرجل؟ قلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، ذكرتك وامرأة العزيز، وما ابتليت به من أمرها، وما لقيت من السجن، وفرقة الشيخ يعقوب، فبكيت من ذلك، وجعلت أتعجب منه، فقال يوسف عليه السلام: فهلا تعجب من صاحب المرأة البدوية بالأبواء؟ فعرفت الذي أراد، فبكيت واستيقظت باكيا، فقال سليمان:    أي أخي وما كان حال تلك المرأة؟ فقص عليه عطاء القصة، فما أخبر بها سليمان أحدا حتى مات عطاء، فحدث بها امرأة من أهله.

· كان لقمان الحبشي عبدا لرجل جاء به إلى السوق يبيعه قال فكان كلما جاء إنسان يشتريه قال له لقمان ما تصنع بي فيقول أصنع بك كذا وكذا قال حاجتي إليك أن لا تشتريني حتى جاء رجل فقال ما تصنع بي قال أصيرك بوابا على بابي قال أنت اشترني قال فاشتراه وجاء به إلى داره قال وكان لمولاه ثلاث بنات يبغين في القرية وأراد أن يخرج إلى ضيعة له فقال له إني قد أدخلت إليهن طعامهن وما يحتجن إليه فإذا خرجت فأغلق الباب واقعد من ورائه ولا تفتحه حتى أجيء قال فقلن له افتح الباب فأبى عليهن فشججنه فغسل الدم وجلس فلما قدم سيده لم يخبره ثم عاد مولاه بعد للخروج فقال إني قد أدخلت إليهن ما يحتجن إليه فلا تفتحن الباب فلما خرج خرجن إليه فقلن له افتح الباب فأبى فشججنه ورجعن فجلس فلما أن جاء مولاه لم يخبره بشيء قال فقالت الكبيرة ما بال هذا العبد الحبشي أولى بطاعة الله عز وجل مني والله لأتوبن قال فتابت فقالت الصغرى ما بال هذا العبد الحبشي وهذه الكبرى أولى بطاعة الله عز وجل مني والله لأتوبن فتابت فقالت الوسطى ما بال هاتين وهذا العبد الحبشي أولى بطاعة الله مني والله لأتوبن فتابت قال فقال غواة القرية ما بال هذا العبد الحبشي وبنات فلان أولى بطاعة الله منا فتابوا إلى الله عزوجل وكانوا عوابد القرية

·   من القصص المعاصرة، يحكى أنه كانت هناك رحلة خرجت فيها مجموعة من الطالبات إلى أحدى القرى لمشاهدة المناطق الأثرية،    وحين وصلت الحافلة، كانت المنطقة شبه مهجورة، وكانت تمتاز بانعزالها وقلة قاطنيها.. فنزلت الطالبات والمعلمات، وبدؤا بمشاهدة المعالم الأثرية وتدوين ما يشاهدونه، فكانوا في باديء الأمر يتجمعون مع بعضهم البعض للمشاهدة، ولكن بعد ساعات قليلة، تفرقت الطالبات، وبدأت كل واحدة منهن تختار المَعلم الذي يعجبها وتقف عنده. كانت هناك فتاة منهمكة في تسجيل المعلومات عن هذه المعالم، فابتعدت كثيرا عن مكان تجمع الطالبات، وبعد ساعات ركبت الطالبات والمعلمات الحافلة، ولسوء الحظ، المعلمة حسبت بأن الطالبات جميعهن في الحافلة، ولكن الفتاة الأخرى ظلت هناك وذهبوا عنها، فحين تاخر الوقت، رجعت الفتاة لترى المكان خالي لايوجد به احد سواها، فنادت بأعلى صوتها ولكن ما من مجيب، فقررت أن تمشي لتصل الى القرية المجاورة علها تجد وسيلة للعودة الى مدينتها، وبعد مشي طويل وهي تبكي، شاهدت كوخا صغيرا مهجورا فطرقت الباب، فإذا بشاب في أواخر العشرين يفتح لها الباب، وقال لها في دهشة: من انت؟   فردت عليه: انا طالبة اتيت هنا مع المدرسة، ولكنهم تركوني وحدي ولا اعرف طريق العودة. فقال لها: انك في منطقة مهجورة، فالقرية التي تريدينها في الناحية الجنوبية، ولكنك في الناحية الشمالية، وهنا لا يسكن أحد.. فطلب منها ان تدخل وتقضي الليلة بغرفته حتى حلول الصباح ليتمكن من ايجاد وسيلة تنقلها الى مدينتها.. فطلب منها أن تنام هي على سريره، وهو سينام على الأرض في طرف الغرفة.. فأخذ شرشفا وعلقه على حبل ليفصل السرير عن باقي الغرفة.. فاستلقت الفتاة وهي خائفة وغطت نفسها حتى لا يظهر منها أي شيء غير عينيها، وأخذت تراقب الشاب..  وكان الشاب جالسا في طرف الغرفة بيده كتاب، وفجأة اغلق الكتاب وأخذ ينظر الى الشمعة المقابلة له، وبعدها وضع أصبعه الكبير على الشمعة لمدة بسيطة، دقائق وحرقه، وكان يفعل نفس الشيء مع جميع اصابعه، والفتاة تراقبه وهي تبكي بصمت خوفا من ان يكون جنيا يمارس أحد الطقوس الدينية.. لم ينم منهما أحد حتى الصباح، فأخذها وأوصلها الى منزلها، وحكت قصتها مع الشاب لوالديها، ولكن الأب لم يصدق، خصوصا ان البنت مرضت من شدة الخوف الذي عاشت فيه، فذهب الأب للشاب على انه عابر سبيل، وطلب منه ان يدله الطريق، فشاهد الاب يد الشاب وهما ملفوفتان، فساله عن السبب؟ فقال الشاب: لقد اتت الي فتاة جميلة قبل ليلتين ونامت عندي، وكان الشيطان يوسوس لي، وأنا خوفا من أن ارتكب أي حماقة، قررت أن أحرق أصابعي واحد تلو الآخر لتحترق شهوة الشيطان معها قبل ان يكيد ابليس لي، وكي أتذكر نار جهنم، وكان التفكير بالإعتداء على الفتاة يؤلمني أكثر من الحرق. أعجب والد الفتاة بالشاب ودعاه الى منزله وقرر أن يزوجه ابنته دون ان يعلم الشاب بان تلك الابنة هي نفسها الجميلة التائهة..  فبدل الظفر بها ليلة واحدة بالحرام فاز بها طول العمر.

{ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}

أخي الكريم ماذا كنت ستفعل اذا أعجبت بك فتاة، وأرادت التعرف عليك، بل والقيام بالفاحشة معك : (من جميل ما قرأت في الانترنيت)

اليك كلماتي علها تجد طريقا الى قلبك وضميرك، هب أنها أخطأت فنظرت إليك نظرة إعجاب، هـب أنها زلت فابتسمت لك ابتسامة دعوة، هَـب أنّها تهورت فأرسلت إليك رسالة خاصةً، أو رسالةَ إيميل، أو هـاتفتك،
 أو دردشـت معك على الشات، أو كلّمتكَ مُباشرةً، هَـب أنّها أظهرت لك مشاعر حُـبِّها وميلها إليك ماذا ستفعل؟ أخبرني ماذا ستفعل؟ هل ستسغلّ ضعفَها، وجوعها للعاطفة، ورغبتها في سماع الكلام الحُلْو المذاق، أقولُ: هل ستستغل هـفوتها لتزيدها ولوجاً في طريق الحرام لتصل في النّهاية إلى إشباعِ غريزتك بتدنيس عرضها؟ ما مبررك؟ أخبرني ما مبررك؟ هـل أقنعت نفسك أنك لست الملام، فهي من سعـت إليك، و لم تسع أنت لها؟ هـل بررت خطيئتك بأنّها تستحق ما يحدث لها بيديك لأنها فتاة غير صالحة أو غير متربية، هب أن أختـك تقربت –في لحظة ضعف بشري- إلى شاب بالطّريقة ذاتها، فهل ستعذُرُ ذلكَ الشاب بما عذَرت نفسـك به؟ أم أنك مختلف وأختك مختلفة؟ هل أنت وأختك مخلوقان من ذهب   وبقيّة النّاس من طين؟

قال الشافعي:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم

و تجنبوا  ما لا   يليق   بمســــــلم
 إن   الزنا  دين  فإن   أقرضته

كان الوفا من أهل بيتك فاعلــــــــم
 يا هاتكا  حرم  الرجال  وقاطعا

سبل  المودة  عشت  غير  مكــــرم
 لو  كنت  حرا من سلالة ماجد

ما  كنت  هتاكا  لحرمة  مســـــــلم
 من  يزن يزن به  ولو بجداره

إن  كنت  يا هذا  لبيبا  فافهـــــــــم
 من  يزن في قوم  بألفي درهم

  يزن  في  أهل  بيته  ولو بالدرهـم  
 أخي العزيز، يا من تعبث بأعراض الفتيات، مستغلا أخطاءهن، ألم تفكر أن الفتاة التي تتعرض لك، ما هي إلا أخت لك تحتاج إلى من ينبهها من غفلتها لتعود إلى طريق الصواب؟ لماذا لا تصدها، وتنقذها من سقطتها فتلقنها درسا تحتاج إليه؟ لماذا لا تذَكرها بأنها جوهرة لا يليق بها أن تنزل بنفسها إلى مستوى الزجاج المكسور المـتـناثر الذي تعلوه الأحذية؟  ألم تعلم أن الجواهر قد يعلوها الغبار أحيانا، وأنّها تحتاج إلى من ينفخ عليها فتطير من فوقها ذرات التراب؟ ما أدراك؟ ربما تعودُ تلك الفتاة إلى رشدها، فيستيقظ ضميرها، ويهديها الله بيديك، فـتـذكـر لك جميل حفظك عفّتها وامتناعك عن تدنيس شرفها في لحظة ضعف مرت بها بسبب هذا الظّرف أو ذاك؟ كم سيكون أجرك عند الله؟      كم أخي العزيز تـذكر من يحفظ أعراض الناس، يحفظ الله عرضه، و من يدنس أعراض الناس يسلّط اللهُ عليه من يدنس عرضه، فكما تدين تدان.

                                                                               فعليك إذن بـ :

1-عدم التطلع إلى فتنها حبا لها، لأن العشق داء لا ينبغي أن تتمناه لأحد، فكيف تتمناه لمن أحبتك؟ وإلا أين هو حب الناس ورحمتهم إذن؟ فالحب كما يولد بالتعود، يموت بالتعود، وكل بعيد عن العين، بعيد عن القلب، فابتعد إذن، إن كنت تحب الخير لها، فإن في ذلك مصلحتيكما.

     يا حسن الوجه توق الخنا

لا تبدلن الزين بالشين
    ويا قبيح الوجه كن محسنا

         لا تجمعن بين  قبيحين
وهنا لابد من النصح لمن رزقه الله حسنا في الصورة، ألا ينسى حمد الله عزوجل على ذلك قولا، وشكره فعلا،   بأن لا يستخدم ذلك الجمال إلا فيما يرضي الله لا العكس، كأن يسارع به في فتن النساء فهذه ليست من الشهامة على الإطلاق.

2- الصرامة في معاملتها رحمة وحبا فيها، حتى وإن كرهتك، فلأن تكرهك، ثم تنساك وترتاح، خير من أن تظل معذبة بحبك المستحيل، لأن  بالخضوع سيزيد حبها لك، فالحب يزيد بالمؤانسة ويدرس بالجفاء. ولكن لا حرج في محادثتها بشكل مؤدب يراعي المشاعر، لإنهاء المشكل، وأنا متأكد أنك إن بينت لها بأدب موقفك، فستتفهمه، وستسير الأمور تدريجيا على أحسن يرام، فلا مجال للفظاظة وسوء الأدب هنا مطلقا، ولكن هو الأدب الحازم، الذي فيه كامل البعد عنها وعن أماكن تواجدها –على قدر المستطاع- مع تمام غض البصر أمامها ...

3- تحويل تلك المشاعر التي تشعر بها اتجاهها، إلى دعاء لله عزوجل معها،    أن يهديها، ويسعدها، وينسيها إياك، ويحفظك من فتنتها ... يقينا منك أن أدعية الطائعين مستجابة، وعلما منك أنها إن نسيتك، فالأمور ستمر على أحسن ما يرام،   ثم قد ربحت أدعية قد استجيبت، فتفرح لما تراها سعيدة مع زوج آخر، لا تكنا لبعضكما سوى الاحترام، أو ليس هذا بأمر جيد، خاصة مع مجازاة الله لك بالخير؟ وكن على يقين بأن الله سيجازيك على ذلك خير الجزاء، بما لم تكن تتصوره قط .
 


ثم أقول لك أيها العفيف البطل:"افرح بعفتك" فقد قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك، فخرجت برجله قرحة الآكلة، فاجتمع رأي الأطباء على نشرها، وأنه إن لم يفعل، قتلته، فأرسل إلى الوليد يسأله أن يبعث إليه بالأطباءـ فأرسلني بهم إليه، فقالوا: نسقيك مرقدا؟ قال: ولم؟ قالوا: لألا تحس بما يصنع بك. قال: بل شأنكم بها. فنشروا ساقه بالمنشار، فما زال عضو من عضو حتى فرغوا منها، ثم حمسوها، فلما نظر إليها في أيديهم، تناولها وقال: الحمد لله، أما والذي حملني عليك، أنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى الحرام قط. وكما قال رسول الله : "إِن اللَّه عزوجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة" أحمد هناك من صححه وضعفه الألباني




6-كيفية التخفيف من الفراغ العاطفي؟
                      
1- الصبر -لأنه لا حل إلا بالزواج- مع استشعار الثقة البالغة في عطاء الله تعالى الآتي، فمهما طال الزمان أو قصر، سيأتي يوم سيكرمك الله فيه أيما كرم، فهو يرحمك ويعلم حاجتك، ومع قليل من الصبر سوف يعطيك سبحانه وتعالى حتى ترضى، بل سيفرح سبحانه لفرحك حينها.

2-استشعار ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقنا، تعبدا، وتعلما، وعملا من أجل نصرة هذا الدين، لذا، فلا مجال لإضاعة هذه الأشياء بالدنيا،  فمثلا قال العلماء:"ذبح العلم على أفخاذ النساء" لأن من انشغل بهن انشغل عنه، فالعشق لا يقع إلا في القلب الخالي، قال أفلاطون:  "العشق حركة النفس الفارغة بغير فكرة" وصدق من قال: [أتاني هواها قبل أن اعرف الهوى ----- فصادف قلبا خاليا فتمكنا]

قال ابن القيم:"وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه، والمتعوضة بغيره عنه؛ فإذا امتلأ القلب من محبة الله، والشوق إلى لقائه دفع ذلك عنه مرض عشق الصور" وصدق القائل: [إن الشباب والفراغ والجدة ----- مفسدة للمرء أي مفسدة]

3- المواظبة على الصيام القاتل للشهوة (لأن كثرة الأكل تكثر المني المثير للشهوة) والانشغال بالعلم والعمل الصارف عن التفكير في ذلك، مع الإكثار من التعبد لله تعالى (لملأ القلب بمحبته، والتي تذوب بجانبها كل محبة)

4- لا تجلس في مكان مظلم يثير الشهوة، خاصة بالنسبة للعاشق، وانشغل حين ورودها بأي بشيء ينسيك فيها، كاللعب في الهاتف مثلا.

 ثم الحذر الحذر:

قال ابن الجوزي: الحذر الحذر من المعاصي فإنها سيئة العواقب، والحذر الحذر من الذُّنُوب، خصوصًا ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تَعَالَى، تسقط الْعَبْد من عينه سُبْحَانَهُ، ولا ينال لذة المعاصي إِلا دائم الغَفْلَة، فأما المُؤْمِن اليقظان فإنه لا يلتذ بها، لأنه عَنْدَ التذاذه، يقف بإزائه علمه بتحريمها، وحذره من عقوبتها، فإن قويت معرفته، رأى بعين علمه قرب الناهي، وَهُوَ الله فيتنغص عيشه في حال التذاذه، فإن غلبه سكر الهوى، كَانَ الْقَلْب متنغصًا بهذه المراقبات، وإن كَانَ الطبع في شهوته، فما هِيَ إِلا لحظة، ثُمَّ خزي دائم، وندم ملازم، وبُكَاء متواصل، وأسف على ما كَانَ مَعَ طول الزمان، حتى إنه لو تيقن العفو وقف بإزائه حذار العتاب، فأف للذنوب ما أقبح آثارها وأسوء وأخبارها.


وإذا نظرت إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم وبين حسن الخاتمة عقوبة لهم على أعمالهم السيئة

·   قيل لأحدهم: قل لا إله إلاّ الله فجعل يقول: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ وهذا الكلام له قصة وذلك أن رجلا كان واقفا بإزاء داره وكان بابها يشبه باب هذا الحمام فمرت به جارية لها منظر فقالت: أين السلام إلى حمام منجاب؟ فقال هذا حمام منجاب فدخلت الدار ودخل وراءها. فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها أظهرت له البشرى والفرح باجتماعها معه. وقالت له: خدعة منها له وتحيلا لتتخلص مما أوقعها فيه وخوفا من فعل الفاحشة يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقربه عيوننا فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها فأخذ ما يصلح ورجع فوجدها قد خرجت وذهبت ولم تخنه في شيء فهام الرجل وأكثر الذكر لها وجعل يمشي في الطرق والأزقة ويقول:"يا رب قائلة يوما وقد تعبت ----- أين الطريق إلي حمام منجاب" فبينما يقول ذلك وإذا بجاريته أجابته من طاق:"هلا جعلت سريعا إذ ظفرت بها  -----  حرزا على الدار أو قفلا على الباب" فازداد هيمانه واشتد هيجانه ولم يزل كذلك حتى كان هذا البيت آخر كلامه من الدنيا.

·   ويروي أنه كان بمصر رجل يلزم المسجد للأذان والصلاة فيه وعليه بهاء الطاعة وأنور العبادة فرقى يوما المنارة على عادته للأذان وكان تحت المنارة دارا لنصراني فاطلع فيها فرأي ابنة صاحب الدار فافتن بها فترك الأذان ونزل إليها ودخل الدار عليها فقالت له: ما شأنك وما تريد؟ قال: أريدك. قالت: لماذا؟ قال: قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي. قالت: لا أجيبك إلى ريبة أبدا. قال: أتزوجك. أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك. قال: أتنصر. قالت: إن فعلت أفعل فتنصر الرجل ليتزوجها وأقام معهم في الدار فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات فلم يظفر بها وفاته دينه. 

·   ويروى أن رجلا عشق شخصا فاشتد كلفه به وتمكن حبه من قلبه حتى وقع ألما به ولزم الفراش بسببه وتمنع ذلك الشخص عليه واشتد نفاره عنه فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده فأخبر بذلك الناس. ففرح واشتد سروره وانجلى غمه وجعل ينتظر الميعاد الذي ضربه له فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال: أنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع فرغبت إليه وكلمته فقال: أنه ذكرني وفرح بي ولا أدخل مداخل الريب ولا أعرض نفسي لمواقع التهم فعاودته فأبى وانصرف فلما سمع البائس ذلك أسقط في يده إلى أشد مما كان به وبدت عليه علائم الموت فجعل يقول في تلك الحال:  أسلم  يا  راحة  العليل             ويا شفاء المدنف النحيل
                                                                     رضاك أشهى إلي فؤاد             من رحمة الخالق الجليل 
فقلت: له يا فلان اتق الله قال: قد كان فقمت عنه فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت فعياذا بالله من سوء العاقبة وشؤم الخاتمة.

·   قال ابن الجزري في الزهر الفاتح: حكي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه مشى خلف جزارة، فلما بلغ سكة الجزارة وقف وبكى بكاء شديداً، فقيل له في ذلك، لقال: كان هاهنا رجل عابد، فدخل يوما هذه السكة، فرأى امرأة نصرانية، فافتتن بها فخاطبها، فامتنعت منه إلا أن يدخل في دين النصرانية، فغلب عليه الشيطان، ودخل في دينها، فلما سمعت المرأة بذلك خرجت إليه وبصقت في وجهه، وقالت له: أفٍ لك من رجل تركت دين الإسلام لشهوة ساعة ، وأنا تركت دين النصرانية لشهوة الأبد، فأسلمت، وحسن إسلامها.

فالزواج إذن هو الحل الوحيد الذي ارتضاه الله تعالى لعباده لكي يصرفوا فيه شهواتهم تلك. قال تعالى:{والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك، فأولئك هم العادون} لذلك فقد توعد الله عزوجل مرتكب هذه الكبيرة بالعذاب والنكال. فقد سئل النبي مرة عن أكثر ما يلج الناس به النار، فقال :"الأجوفان: الفم والفرج" ولعل أيسر نموذج لذلك ما قاله النبي فيما شاهده ليلة المعراج، فقد قال :"رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني، فانطلقت معهما، فإذا بيت مبني على بناء التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، توقد تحته نار،فيه رجال ونساء عراة، فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، فقلت: ما هذا؟ قال: هم الزناة" وقال :"بينما أنا نائم،إذ أتاني رجلان، فأخذا بضبعي فأخرجاني، فإذا أنا بقوم أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا، كأن ريحهم المراحيض، قلت من هؤلاء: قال:هؤلاء الزانون والزواني"ابن حبان (ص) وقال :"ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدِّق بالسحر، ومن مات مدمناً للخمر سقاه الله من نهر الغوطة. قال: نهر يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهن" كل هذا، لأن الزنا من أكبر الكبائر، قال :'ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله، من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحلُّ له'

وقد سأل عبد الله بن مسعود النبي ، فقال:"أي الذنب أعظم؟ فقال :أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم، ثم أي، قال: وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك، قلت: ثم أي: قال: أن تزني بحليلة جارك"(م ع) لأن الزنا درجات، أعظمها الزنا بحليلة الجار، فقد قال النبي لأصحابه: ما تقولون في الزنا، قالوا حرام حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، فقال  لأصحابه: لأن يزني الرجل بعشر نسوة، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره" البخاري. فقضية الزنا قضية خطيرة جدا، لذلك قال :"إن أخوف ما أخاف عليكم، شهوات الغي، وبطونكم، وفروجكم، ومضلات الفتن" أحمد. وقال :«يا أمة محمد، ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني»(م ع) هذا وإن الأمر يزداد سوء إذا كان الزاني رجلا كبيرا في السن، فقد قال رسول الله :"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم، شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر"مسلم، فالأمر كما رأيت ليس سهلا على الإطلاق، فعقوبة الزنا عقوبة شديدة حتى الدنيا، قال رسول الله :" يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لو تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا..." لذلك فإنه:"لا يزني الزاني حين يزني، وهو مومن" و"إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء، فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان، فإذا تاب ردّ عليه" وكما قال الإمام أحمد "لا أعلم بعد قتل النفس ذنباً أعظم من الزنا"  

ولما كانت الزنا جريمة فضيعة (تزيل الحياء، تضيع الأعراض، تجلب العار، تفقد الغيرة، تسبب الأمراض، تخلط الأنساب، تضيع الأبناء...)  قال :"إِيَّاكُمْ وَالزِّنَا فَإِنَّ فِيهِ سِتَّةَ خِصَالٍ، ثَلاثَةً فِي الدُّنْيَا، وَثَلاثَةً فِي الآخِرَةِ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَيُذْهِبُ بَهَاءَ الْوَجْهِ، وَيَقْطَعُ الرِّزْقَ، وَيُسْرِعُ الْفَنَاءَ، وَأَمَّا فِي الآخِرَةِ، فَغَضَبُ الرَّبِّ، وَسُوءُ الْحِسَابِ، وَالْخُلُودُ فِي النَّار"فقد رتب الله عزوجل عليها مجموعة من الأحكام كما يلي:

-عقاب كل من قام بهذا الفعل: قال عزوجل:{الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقال :"خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم" مسلم  قال :"اشتد غضب الله على الزناة"

-عدم الزواج بالزناة: قال تعالى:{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المومنين}

-توعد من قذف امرئ بالزنا دون بينة بالعقوبة: قال تعالى:{ والذين يرمون المحصنات، ولم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك عند الله هم الكاذبون}

-توعد المشيعين للفاحشة في الذين ءامنوا بالعذاب : قال تعالى:{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا فبشرهم بعذاب اليم}

-الابتعاد عن موضع الشبهة: فقد كان النبي مرة واقفا مع زوجته صفية بنت حيي يواصلها إلى بيتها، فلما رآه رجلان من الأنصار، أسرعا، فقال :على رسلكما،إنما هي صفية، ثم قال:إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم،وإني خشيت أن يقذف الله في قلوبكما شيئا"م ع

الحل هو الزواج، لكن يبقى السؤال الشاغل، متى؟ لأنه سؤال يشغل ذهن كل شاب عفيف، وأنت إن كنت منهم، فليكن عندك اليقين التام، أنك مادمت ترجوا الله وتسعى في مراضيه، فالله أعلم بحاجتك من نفسك، وأرحم بك منك، فهما طال الزمان، سيأتي اليوم الذي سيكرمك الله فيه بما سيسعدك مما لن تستطيع شكره، فاصبر، فالدنيا دار بلاء للمومن، وإلا، أفيعطي للكافر على كفره ما يريد، ويتركك أنت، فثق في الله، وسلم نفسك له يفعل بها ما يشاء،  يزوجك وقت شاء، بمن شاء، وسترى بركات عطائه حينها، فاصبر ولا تستعجل.



طرفة: لا تحزن إذا فاتك قطار الزواج، فلأن يفوتك القطار خير من أن يدهسك.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire