وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان،
فعمدوا إلى إحداهما، فشربوا منها، فأذهبت ما في بطونهم من أذى أو قذى أو بأس، ثم
عمدوا إلى الأخرى، فتطهروا منها، فجرت عليهم بنضرة النعيم، فلن تتغير أبشارهم
تغييراً بعدها أبداً، ولن تشعث أشعارهم، كأنما دهنوا بالدهان، ثم انتهوا إلى خزنة
الجنة، فقالوا: (سلامُ عليكم طبتم فادخلوها خالدين)، ثم يلقاهم الوِلْدان، يطيفون
بهم كما يطيف وِلْدان أهل الدنيا بالحميم، فيقولون: أبشر بما أعد الله لك من
الكرامة، ثم ينطلق غلام من أولئك الوِلْدان إلى بعض أزواجك من الحور العين، فيقول:
قد جاء فلان، باسمه الذي يُدعى به في الدنيا، فتقول: أنت رأيتَه، فيقول: أنا
رأيتُه، وهو ذا بأثري، فيستخف إحداهن الفرح، حتى تقوم على أسكفة بابها، فإذا انتهيت
إلى منزلك نظرتَ إلى أي شيء أساس بنيانه، فإذا جندل اللؤلؤ، فوقه صرح أخضر وأصفر
وأحمر، ومن كل لون، ثم ترفع رأسك فتنظر إلى سقفه، فإذا مثل البرق، لولا أن الله
قدر لك لذهب ببصرك، ثم تطأطئ رأسك، فتنظر إلى أزواجك، وإلى أكواب موضوعة، ونمارق
مصفوفة، وزرابي مبثوثة، فتنظر إلى تلك النعمة، ثم تتكئ وتقول: (الحمد
لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، ثم ينادي منادٍ: تحيون
فلا تموتون أبداً، وتقيمون فلا تظعنون أبداً، وتصحّون فلا تمرضون أبدا.
وعندما تدخل يا ولي الله من باب
الجنة، يتلقاك غلمانك، فيقولون: مرحباً بسيدنا، قد آن لك أن تزورنا، فتُمد لك
الزرابي أربعين سنة، ثم تنظر عن يمينك وشمالك، فترى الجنان، فتقول: لمن ما ها هنا؟
فيُقال: لك، حتى إذا انتهيتَ رُفعتْ لك ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، لها سبعون
شِعباً، في كل شِعبٍ سبعون غرفة، في كل غرفة سبعون باباً، فيُقال لك: اقرأ وارق،
فتقرأ وترقى، حتى إذا انتهيتَ إلى سرير ملكك اتكأتَ عليه ، فيسعى إليك غلمانك
بسبعين صحفةً من ذهب، ليس فيها صحفة فيها من لون أختها، تجد لذة آخرها كما تجد لذة
أولها، ثم يسعون إليك بألوان الأشربة، فتشرب منها ما اشتهيت، ثم يقول الغلمان: اتركوه
وأزواجه، فينطلق الغلمان، ثم تنظر، فإذا حوراء من الحور العين جالسة على سرير
ملكها، عليها سبعون حلة، ليس منها حلة من لون صاحبتها، فترى مخ ساقها من وراء
اللحم والدم والعظم، والكسوة فوق ذلك، فتنظر إليها وتقول: من أنتِ؟ فتقول لك: أنا
من الحور العين اللاتي خُبئن لك، فتنظر إليها أربعين سنة، لا تصرف بصرك عنها، لشدة
جمالها، ثم ترفع بصرك إلى الغرفة، فإذا أخرى أجمل منها، فتقول الحوراء: أما آن لك
أن يكون لنا منك نصيب؟ فترقى إليها أربعين سنة، لا تصرف بصرك عنها.
وإنك -يا ولي الله- لتتكئ في الجنة
سبعين سنة، قبل أن تتحول، ثم تأتيك امرأتك، فتضرب على منكبيك، فترى وجهك في خدها
أصفى من المرآة، وتنظر إلى بياض ساقها من وراء سبعين حلة، حتى ترى مخها، كأنهن
الياقوت والمرجان، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، فتُسَلِّم
عليك، فترد السلام، وتسألها: من أنتِ؟ فتقول لك: أنا من المزيد، عليها سبعون ثوبا،
أدناها مثل النعمان من طوبى، فينفذها بصرك حتى ترى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن أدنى
لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. والذي نفسي بيده، لو اطلعتْ على أهل
الأرض لأضاءتْ ما بينهما، ولملأتْ ما بينهما بريحها، ولنصيفها على رأسها خير من
الدنيا وما فيها ويعطى قوة مائة شاب في الجماع، فيجامع مقدار أربعين سنة، وله في
كل يوم مائة عذراء، بذكر لا يمل ولا ينثني، وفرج لا يحثى ولا يمنى. على كل واحدة
منهن سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الثياب.
فإن سألتَ عن أزواجك وحبيباتك يا عبد
الله، فاعلم أنهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد
والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته
الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا
برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت. إذا قابلتْ حِبَّها فقل ما تشاء في
تقابل النورين، وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك
بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها كما يُرى في المرآة التي جلاها صيقلها ،
ويَرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها، ولا عظمها، ولا حللها. لو اطلعت
على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، وأفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً
وتسبيحاً، ولتزخرفت لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوءَ
الشمس كما تطمس الشمسُ ضوء النجوم، ولآمن من على ظهرها بالله الحي القيوم،
ولَنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، ووصالها أشهى إليك من جميع أمانيها.
ولا تزداد على طول الأحقاب إلا حسناً
وجمالاً، ولا تزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالاً، مبرأة من الحبل والولادة،
والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق، والمذي والمني، والبول والغائط، وسائر
الأدناس. مطهرة من الأخلاق السيئة، والصفات المذمومة، والفحش والبذاء، ومن النظر
إلى غير زوجها. لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلِق ثوب جمالها، ولا يُمَل
طيب وصالها، قد قصرت على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه. وقصر طرفك عليها، فهي غاية
أمنيتك وهواك، إن نظرتَ إليها سرتك، وإن أمرتها بطاعتك أطاعتك، وإن غبتَ عنها
حفظتك، فأنتَ منها في غاية الأماني، لم يطمثها قبلك إنس ولا جان، كلما نظرتَ إليها
ملأتْ قلبك سروراً، وكلما حدثتْك ملأتْ أذنك لؤلؤاً منظوماً، وإذا برزتْ ملأت
القصر والغرفة نوراً.
وإن سألت عن السن فأتراب في أعدل من
الشباب، وإن سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر، وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد
في أصفى بياض في أحسن جور، وإن سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان، وإن سألت عن
النهود فمن الكواعب، ونهودهن كألطف الرمان، وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت
والمرجان، وإن سألت عن حسن الْخُلُق فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمعن بين الحسن
والإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس وقرة النواظر، وإن سألت
عن حسن العشرة ولذة ما هنالك، فهن العُرب المحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل
التي تمتزج بالروح أي امتزاج.
فما ظنك بامرأة إذا ضحكتْ في وجهك
أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلتْ من قصر إلى قصر قلتَ: هذه الشمس متنقلة في
بروج فلكها، وإذا حاضرتك فيا حسن تلك المحاضرة، وإن خاصرتك فيا لذة المعانقة
والمخاصرة، وإن غنتْ لك فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنستْك وأمتعتْك فيا حَّبذا
تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبّلتْك فلا شيء أشهى إليك من التقبيل، وإن نلتَها فلا
ألذَّ ولا أطيبَ من ذلك التنويل. أما وجهها فيعجز اللسان عن وصفه، ويعجز الكلام عن
بيانه، ويعجز العقل عن تصوره، فلو أخرجتِ الحور وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء
والأرض، فنور وجوههن من نور الله عز وجل. ولو أن يدا من الحور، بياضها وخواتيمها،
دُلِّيَتْ من السماء، لأضاءتْ لها الأرض كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، هذه يدها،
فكيف بالوجه بياضه وحسنه وجماله، وتاجه وياقوته، ولؤلؤه وزبرجده.ومع كل هذا فهي
قاصرة الطرف على زوجها. أما الحاجب فرقيق واسع أسود، والأنف ضيق، والفم أيضا،
فمجمع الجمال والحسن، جمال الشفة، وجمال الأسنان، وجمال الصوت والنغمات. يسطع نور
في الجنة، لم يبق موضع من الجنة إلا دخله من ذلك النور، فإذا رفعوا رؤوسهم وجدوه
من ثغر حوراء، ضحكت في وجه زوجها.
وأما ريقها فعذب، أحلى من العسل،
وأطيب رائحة من المسك، لو أن حوراء بزقت في بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها، بل
لو أن امرأة من نساء أهل الجنة بصقت في سبعة أبحر، لكانت تلك الأبحر أحلى من
العسل. وأما كلامها فهو السحر الحلال، وهي قصيرة اللسان عن كثرة الكلام. وأما
صوتها وغناؤها، فلو أن الله كتب على أوليائه الموت لماتوا جميعا من جمال صوتها،
فيا لروعة نغماتها، ويا لجماله. وأما رائحة فمها، فلو أن امرأة من نساء أهل الجنة
أشرقتْ لملأتْ الأرض ريح مسك، ولأذهبتْ ضوء الشمس والقمر.
وأما عنقها، فكأنه الياقوت والمرجان،
ترى وجهك في جيدها، أصفى من المرآة، وإن لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب،
وإنه ليكون عليها سبعون ثوباً، ينفذها بصرك حتى ترى مخ ساقها من وراء ذلك. وأما
الثدي، فكواعب أتراباً، فثدي الحوراء لا يتدلى، وإنما هو كالتفاح، مكعب بدون
زوايا، نواهد مستديرة، كالرمان. مكتوب في نحرها: أنت حبي وأنا حبك، لست أبغي بك
بدلا، ولا عنك معدلا، كبدها مرآتك، وكبدك مرآتها، ترى مخ ساقها من وراء لحمها
وحليها، كما ترى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء، وكما ترى السلك الأبيض في جوف
الياقوتة الصافية.وأما صدرها ووسطها وسرتها، أعلاها وأسفلها، وفخذاها، وكتفاها،
وعضدها، ومرفقاها، وساعداها، وركبتاها، وقدمها، فشيء يعلو على الخيال، ولذا لم يرد
فيه وصف عن الكبير المتعال، ولا النبي سيد الرجال. وأما أصابعها، فأحدها أجمل وأشد
ضوءاً من الشمس والقمر، لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوؤُه ضوءَ الشمس والقمر. وأما
أسفلها فهي عظيمة جسم المقعدة، مع رقة وصفاء، ولين ولطف، وإن الواحدة منهن لتأخذ
مقعدتها قدر ميل.
فإذا ما دخلتَ قصرك، استمعتَ إلى
غناء الحور العين، ففي الجنة مجتمع للحور العين، يرفعن بأصوات لم تَسمع الخلائق
بمثلها، ويقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا
نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له. وتَستمتع بلذة السماع عند الأنهار وأنتَ تأكل
وتشرب، ففي الجنة نهر طوله طول الجنة، حافتاه العذارى، قيام متقابلات، يغنين
بأصوات حتى يسمعها الخلائق، ما نرى لذة مثلها، وإنه إن شاء الله التسبيح والتحميد
والتقديس، وثناء على الرب عز وجل.
ولنا في الجنة لقاءات عند بعض
الأشجار، تحتها الجواري الحسان، يغنين بأصوات متعددة، وألحان متنوعة. منها أن في
الجنة شجر حمله اللؤلؤ والزبرجد، وتحته جوار ناهدات، يتغنين بألوان، يقلن: نحن
الناعمات فلا نبأس، ونحن الخالدات فلا نموت، فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضاً،
فأجبن الجواري، فلا ندري أأصوات الجواري أحسن أم أصوات الشجر. يا الله!! ويمتد أثر
صوت الحوراء الجميل إلى أشجار الجنة، حتى إن الأشجار لَتُزهر وتُورِد من تسبيح
الحوراء، بل إذا سبَّحتِ المرأة من الحور العين لم يبق في الجنة شجرة إلا وردّت.
وإذا كان يوم القيامة نادى منادٍ:
أين الذين كانوا يُنَزِّهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان؟
أسكنوهم رياض المسك، أسمعوهم تمجيدي وتحميدي. ويأمر بمنبر رفيع، فيوضع في الجنة،
ثم ينادي: يا داود مجدني بذلك الصوت الرخيم الحسن الذي كنت تمجدني به في دار
الدنيا، فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنان. ويقول الله عز وجل للملائكة: أن عبادي
كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا، فيدَعونه من أجلي، فأَسْمِعوا عبادي، فيأخذوا
بأصوات من تهليل وتسبيح وتكبير، لم يسمعوا بمثله قط.
وبينما أنت يا ولي الله في الجنة مع
زوجتك من الحور العين، على سرر من ياقوت أحمر، وعليك قبة من نور، فتقول لها: قد
اشتقت إلى مشيتك، فتنزل من سرير الياقوت الأحمر إلى روضة مرجان أخضر، فيُنشئ الله
عز وجل لها في تلك الروضة طريقين من نور، أحدهما نبت الزعفران، والآخر نبت
الكافور، فتمشي في نبت الزعفران، وترجع في نبت الكافور، وتمشي بسبعين ألف لون من
الغنج. وتضحك في وجهك، فيسطع نور من بين ثناياها يملأ الجنة.
وتلقى امرأةً أجمل من القمر، جمعتْ
لك كل دواعي الجماع، ومع هذا تُعطَى قوة مائة رجل في الجماع. وكما أن الحوراء
طاهرة مطهرة، فأنتَ أيضا طاهر مطهَّر، لا تلحقك الأمراض، ولا تنزل عليك المصائب،
ولا يلحقك ضعف ولا انحلال قوة، ولو جامعتها مليار مرة. إنه وطء التلذذ، ومتعة
ونعيم، لا آفة فيه بوجه من الوجوه، شهوتك دفعاً دفعاً، لا تنقطع أبداً، ولا مني
ولا موت، ولا جنابة ولا ملل، وهذه المتعة شغلك الشاغل، وهذه الشهوة عملك الدائم،
مع غيره من الشهوات والنعيم المقيم، (إن أصحاب الجنة اليوم في شغلٍ فاكهون، هم
وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون). فشغلهم الشاغل افتضاض الأبكار.وكيف لا
تُشغَل بلذة جماع الحوراء وهي من هي في جمالها؟ وهي من هي في حسنها؟ لو أخرجت كفها
على الدنيا لأفتتن الخلائق بحسنها، ولو ظهرتْ أدنى لؤلؤة من اللؤلؤ الذي عليها
لأضاءتْ ما بين المشرق والمغرب، ولو اطلعتْ إلى الأرض لملأَتْها ريحاً، وترى بياض
ساقها من وراء سبعين حلة، إنها الحوراء العيناء، البيضاء الحسناء.وكيف لا تُشغَل
الحوراء بك وأنتَ على جمال يوسف، أمرد أكحل، لا يفنى شبابك، ولا تبلى ثيابك، على
قلب أيوب، وعلى طول آدم، ستون ذراعاً في السماء، ابن ثلاث وثلاثين عاما
أما يوم المزيد، وزيارة العزيز
الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه، فإنه اليوم الأعظم والأجمل، ففيه
ترى الرب الرحيم، كما ترى الشمس في الظهيرة، والقمر ليلة البدر.ولنا سماع يضمحل
دونه كل سماع، وذلك حين نسمع كلام الرب جل جلاله، وخطابه وسلامه علينا، ومحاضرته
لنا، يقرأ علينا كلامه، فإذا سمعناه منه فكأننا لم نسمعه من قبل، تلذ به آذاننا،
وتقر به أعيننا، إذ ليس في الجنة لذة أعظم من النظر إلى وجه الرب تبارك تعالى،
وسماع كلامه منه، ولا نعطى في الجنة شيئا أحب إلينا من ذلك، حيث ندخل كل يوم مرتين
على الجبار جل جلاله، فيقرأ علينا القرآن، وقد جلس كل امرئ منا مجلسه الذي هو له،
على منابر الدر، والياقوت والزبرجد، والذهب والزمرد، فلم تقر أعيننا بشيء أجمل
منه، ولم نسمع شيئا قط أعظم ولا أحسن منه، ثم ننصرف إلى رحالنا ناعمين، قريرة
أعيننا إلى مثلها من الغد. وأكمل الناس في هذه اللذة أصونهم لنفسه في
الدنيا، عن الزنا و اللواط، والمعانقة والتقبيل، والمس والمصافحة، والنظر إلى
الحرام، فكما أن من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن لبس الحرير في
الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن أكل في صحاف الذهب والفضة في الدنيا لم يأكل فيها
في الآخرة، فهي للكفار في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة. فكذلك من لم يصن نفسه في
الدنيا عن الزنا ومقدماته يُحرَم أن يكون كمن عفّ واستعفَّ، وصان نفسه وزكاها. فمن
ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون، ومن استوفاها هنا
حُرِمَها هناك، أو نقص كمالها، فلا يجعل الله لذة من وقع في معاصيه، كلذة من ترك
شهوته لله أبدا،اللَّهُمَّ ارزقنا الخُلْدَ في جنانِك، وأحِلَّ علينا فيها رضوانَك،
وارزقْنا لَذَّة النظرِ إلى وجهك والشوقَ إلى لقائك من غيرِ
ضرَّاءَ مُضِرَّة ولا فتنةٍ مُضلةٍ.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire