ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما
نزل من الحق:
آية عظيمة جدا أوجهها
لكم، وأنا أعلم قدر العراقيل والمعوقات التي تعيقكم عن سماع الحق، فلا التلفاز
ينصحكم، ولا المدرسة
تعلمكم، ولا
الأسرة تربيكم، ولا الصحبة تعينكم، ولا مكان تلجئون إليه تسمعون فيه ما ينفعكم
ويصلحكم، فحتى المساجد جففت
من الدعاة والمربين، فلا علماء يعلمون، ولا دعاة
يربون، إن وجدتم من ينصحكم مرة، فهناك من يغرقكم ألف مرة.
أعلم حالكم
والله، وأعلم أن عددا منكم يتمنى أن يتوب، أعلم صدقكم وصدق محبتكم لله ولدين الله،
من أجل ذلك أوجه لكم هذا
الخطاب، في زمن نعيش فيه واقعا مرا مريرا ضحيته الأولى
أنتم، وأكيد أن الشباب معذور، فأينما ولى وجهه لا يرى إلا ما
يصده عن الدين، فتيات جميلات ومتبرجات، موسيقى صاخبة،
أفلام ومهرجانات فاسدة، مسابح ومراقص داعرة، شوارع قد
زينت، وأماكن للهو قد أعدت،
أضف إلى هذا قلة المومنين والملتزمين، وانعدام الصالحين والمصلحين، فلكم الله يا شباب
الإسلام، قلوبنا ومشاعرنا معكم والله.
لكن وأنا أقرأ حديث رسول الله
:"ما منكم إلا
سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان" (م ع) وقفت أتأمل وأتفكر وأساءل نفسي

فقلت: هل تنفع هته الأعذار جميعها إن
لم يلتزم الناس بما أمر به الله؟ هل يوم يقف العبد أمام الله عزوجل على الفراد فيسمع:
عبدي، أما ظننت يوما أنك ستقف بين يدي هذه الوقفة؟ فلم لم تلتزم بأمري وأنت تعلم
مراقبتي لك؟ لم جعلتني أهون الناظرين
إليك؟ هل تنفع هته الأعذار؟ كلا والله.
لذلك فلا ينفع إلا العمل، فرغم كل هته الملهيات المضلات
التي تضل عن الله، أبدا لن ينفعك ذلك عند الله، فماذا يا أخي أعددت
للقاء الله؟ لقي الفضيل بن عياض رجلا فقال له: كم عُمُرك؟ فقال الرجل: ستون سنة. قال الفضيل:إذا أنت منذ ستين سنة تسير
إلى الله
توشك أن تصل فقال الرجل: إنا لله
وإنا إليه راجعون. قال
الفضيل: هل تعرف معناها ؟ قال:
نعم، أعرف أني عبد لله،
وأني إليه راجع. فقال الفضيل: يا أخي، إن من عرف أنه
لله عبد، وانه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف بين يديه، ومن علم أنه
موقوف، فليعلم
انه مسئول، ومن علم أنه مسئول، فليعد
للسؤال جوابا. فبكى
الرجل وقال: ما الحيلة؟ قال
الفضيل: يسيرة.
قال: وما هي يرحمك الله ؟ قال: تُحسن فيما بقى، يغفر الله لك ما قد مضى وما بقى، فإنك إن أسأت فيما بقى، أُخذت بما مضى
وما بقى " إيييييه، قال ابن الجوزي:"لو أن بنا حياة،
لأحسسنا بما نحن فيه من جهد البلاء، ولو أحسسنا ببلائنا لانقطعت
أصواتنا من الدعاء، وفرجت أجفاؤنا من البكاء، ولكنا
طردنا فما احد على نفسه حزينا، ونمنا ملء عيوننا، وضحكنا ملء
أفواهنا، كأن لم يأكل
الكلب لنا عجينا، وكان من الواجب على قوم حرموا لذة منجاة الله، وطردوا عن مجالس أولياء
الله، آن
يحثوا على رءوسهم التراب ويخرجوا إلى الصعيد يجأرون {فلولا إذ جاءهم
بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم
الشيطان ما كانوا يعملون}" قال سفيان
الثوري يوماً لأصحابه: "أخبروني لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان
أكنتم
تتكلمون بشئ ؟ قالوا: لا، قال، فإن معكم من يرفع الحديث إلى الله عز وجل"
فيا
معرضا عن عرضه وحسابه، لا يستعد ليوم نشر كتابه، متعللا بعياله وبماله، متلهيا في أهله
وصحابه، متناسيا لمماته
وضريحه ونشوره ووقوفه ومآبه، القول قول مصدق، والفعل فعل
مكذب بثوابه وعقابه، ما بالك تضحك وأنت لا تدري ما الله
صانع بك؟ أمن أهل
الجنة أنت أم من أهل النار؟ سيدنا عمر وهو من هو، العابد الذي كان في وجهه خطان
أسودان من البكاء،
والذي كان إذا رآه الشيطان يسلك فجا سلك فجا غيره بشهادة رسول
الله
، كان يقول:"لو
ناد مناد يوم القيامة، كل الناس

يدخلون الجنة إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا
هو". ويا للعجب، ترى الشاب منا اليوم
لا يصلي ولا صلة له بالدين قط،
تخاطبه وتنصحه، فيرد عليك جوابا يجعلك تعتقد
اعتقادا جازما أنه في سكرة لا كالسكرات، تقول له تب إلى الله. فيرد عليك
قائلا: أنا ولله الحمد جيد جدا ما ينقصني إلا الصلاة !؟ فقارن بين هذا وذاك لتعلم الفرق.
أخي كأني أراك تقول الآن: أنا لازلت شابا، دعني حتى أكبر
في السن قليلا ثم أتوب؟ وأنا أقول لك بأدب جم: هل الله بالنسبة لك
شيء تافه، هل هو
آخر شيء تفكر فيه وتهتم له، تنتظر حتى تشيب وتهرم وتضعف قواك ثم تتوب، أهذا هو
الله بالنسبة لك،
تجعل له الفضلة من أمورك؟ ثم تريد بعد ذلك دخول الجنان
والاستمتاع بحورها وحريرها؟ يا أخي اعلم بأن الله إنما يريدك الآن،
في الوقت الذي
عندك القدرة لارتكاب جميع أنواع المحرمات والفواحش، تترك كل ذلك لله عزوجل، وتؤثر
رضاه عن رضا
نفسك وهواك، فهذه هي تضحية المحبين المريدين، وهؤلاء هم من سيرثون
الفردوس وجنات النعيم، لذلك أخيَّ، إني والله خائف
عليك أشد الخوف، أن يقال لك إذا
أردت دخول أبواب الجنان، {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها
فاليوم تجزون
عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون}.
إخواني، قال الله عزوجل: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا
وأنكم إلينا لا ترجعون} أخيَّ وحبيبي، إني والله أحبك في الله، فلا تغضب
مني، ولكن هل أنت موقن بأنك ستموت؟ ستقول لي
بالطبع، أنا متأكد بأني سأموت، وأنا أقول لا، ليس عن هذا الجواب أبحث،
هل أنت، نعم
أنت، متأكد بأنه سيأتي يوم ستكون فيه إما في الجنة وإما في النار، هل أنت متأكد؟
إن كنت متأكد، فما بالك لا
يظهر عليك ذلك؟ تجمع للدنيا وكأنك خالد مخلد فيها،
وأعمال الآخرة لا تهتم بها، وكأنك لن تصير في يوم من الأيام إليها.
فيا شباب لا تغتروا بالواقع، فتقولوا الناس كلهم هكذا،
فنحن على الأقل خير من غيرنا، كلا يا شباب، أتظنون أن الله تعالى
غافل؟ كلا والله، قال عز من قائل:{ولا تحسبن الله
غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين
مقنعي رؤوسهم
لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء} لكنه سبحانه يمهل ولا يهمل، لأننا ببساطة
كلنا إليه راجعون، وللأسف
الشديد، أن المسلمين يعلمون بأن الله حق، وأن الآخرة حق،
وبأنه من أطاع الله فله الجنة ومن عصاه فله النار، ومع ذلك
فالقلوب كالحجارة أو
أشد قسوة. فانتبه أخَيَّ، واعلم أنك اليوم هنا وغدا
هناك، فمائة عام بعد هذا اليوم، لن تجد أحدا ممن هو
من أقرانك على هذه الأرض. فيا
مُطالباً بأعماله، يا مسؤولاً عن أفعاله، يا مكتوباً عليه جميع أقواله، يا مناقشاً
على كل
أحواله، نسيانك لهذا أمر عجيب !
تزود
بالتقوى فانك لا تدري
|
|
إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
|
وكم من سليم مات
من غير علة
|
|
وكم
من سقيم حينا من
الدهر
|
وكم من فتى يمسي ويصبح آمنا
|
|
وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
|
هذا ولا تغتر أخي، فالله غني عنك وعن عبادتك،
ولكنك أنت الفقير العاجز الضعيف المحتاج إليه، يقول الله جلا وعلا في
الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم ضال إلا
من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته
فاستطعموني أطعمكم،
يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا
أغفر الذنوب جميعا
فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري
فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم
وإنسكم وجنكم
كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن
أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا
على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من
ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد
فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط
إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم
أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن
وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه." مسلم
أفق واصح أخي الشاب، إلى متى هذه الغفلة؟ أما آن
الأوان لتخرجوا أنفسكم من عالم الرذيلة والعصيان، إلى عالم الفضيلة
والغفران. سنوات وأنت على المعاصي، ماذا جنيت من وراء كل ذلك؟ هل حققت رغاباتك التي
كنت تطمح إليها؟ شبعت أم لا
تزال جوعان؟ ارتويت أم لا تزال عطشان؟ أفما آن الأوان كي
تغير من طريقة تفكيرك، فأنت وأنت لازلت
شابا يافعا عندك كل
طاقات الفن والإبداع، فعوض أن تظل الليالي والأيام تفكر في
بطنك وفرجك ومظهرك، أليس قد جاء الوقت لتفكر فيه عن كيفية
إصلاح عقلك، ونصرة دينك،
بطلب العلم، بحفظ القرآن، بالدعوة إلى
الله، بملأ المساجد ...
والعجب
كل العجب، أن ترى عددا من الشباب المسلم يستحي أن يرى يذهب إلى المسجد كل نداء،
ويا عجبا لهم، ويا عجبا لك
إن كنت منهم، أتخجل بالله، فوالله إنها لطامة كبرى إذا
كان هذا هو حالك، تخجل من دخول إلى المسجد، وتطير عزة بدخولك
النوادي والمقاهي، أتراك
ممن تأخدك العزة بالإثم، تعانق فتاة في وسط الشارع، ونفسك ستطير عجبا وكبرا وخيلاء،
بينما
تستحي أن تعفي لحيتك حتى لا يقال صرت مومنا،وصدق رسول الله
حين قال:"بدأ الإسلام غريبا ثم سيعود
غريبا، فطوبى

للغرباء"
أخَيَّ، دينك يحارب، رسولك يهان، كتابك يدنس،
فماذا قدمت لتنصر دينك؟ نصرته أم خذلته؟ قويته أم أضعفته؟ نبحث عنك في
المسجد مع
أذان الصلوات فلا نجدك تحافظ عليها، وأوقات المباريات يستحيل أن تتخلى عليها، أ
الكرة خير أم الله؟ ولو كنت
تعلم، لقمت من فراشك في أعز أوقات الشتاء تلبي نداء
ربك -الصلاة خير من النوم- وهنا أتذكر ذلك الرجل الذي قام من فراشه
ليلا، فبدأ يمر
يده عليه ويقول: ما أبردك ! ما ألينك ! ما أجملك !
ولكن سجدة أحب إليَّ منك، فيصف قدمه في الصلاة إلى
الفجر. فأين أنت من هؤلاء؟
فلو أنا إذا متنا تركنا
|
|
لكان الموت راحة لكل حي
|
ولكن
إذا متنا بعثنا
|
|
ونسأل بعدها عن كل شيء
|
أين ندمك على ذنوبك؟ أين حسرتك على عيوبك؟ إلى متى تؤذي
بالذنب نفسك، و تضيع يومك تضييعك أمسك، لا مع الصادقين
لك قدم، ولا مع التائبين لك
ندم، هلاّ بسطت في الدجى يداً سائلة، و أجريت في السحر دموعاً سائلة
.
إخواني، قال النبي
:"إن الله يبسط
يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، حتى تطلع

الشمس من مغربها". وقال
:"لله أشد فرحا
بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه

وعليها طعامه
وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة
فأضطجع في ظلها –قد أيس من راحلته- فبينا هو كذلك،
إذا هو بها قائمة
عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وان
ربك – أخطأ من شدة الفرح –"
(م ع)
وقال
عز وجل في الحديث القدسي:"يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما
كان منك ولا أبالي, يا ابن آدم لو
بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك
على ما كان منك ولا أبالي, يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم
جئتني لا
تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة "الترمذي
فإذا
كان هذا هو ربك، أفما تستحي من حالك أن لا تتحرك نحوه إلا بالدفع، لهذا فأنا لن
أزيد الكلام، لأنه لم تهزك هذه الأحاديث
فلن تهتز، فتب أخي إلى الله إن كنت تحب الله قال تعالى:{قل
إن كنتم تحبون الله، فاتبعون يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله
غفور رحيم}
كلامك مكتوب، و قولك محسوب، وأنت يا هذا مطلوب، ولك ذنوب وما
تتوب، وشمس الحياة قد آخذت في الغروب، فما أقسى قلبك من بين القلوب.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire