فقط
للمحترمات... وإن كن متبرجات
لأنه كم
هنالك من أخت مومنة، تحب الله عزوجل، وتحب رسول الله، وتحب الدين، وتتمنى
أن يأتي يوم تتوب فيه إلى الله عزوجل، لكنها لم تطاوعها نفسها بعد في أن تحتجب،
تنظر إلى جمالها الفاتن، وشعرها الناعم، ولباسها الباهي الزاهر، فيصعب عليها أن
تستره. أعرف بأن عددا من هؤلاء، من قد جربت ولو لمرة لبسه -أكيد، فهي مومنة وتريد التوبة-
لكنها للأسف الشديد، ما إن تنظر إلى المرآة، إلا ويتمثل لها الشيطان في تلك الصورة فيقول:
وهذا الشعر الناعم؟ وهذا الجمال البارع؟ أتخفينه وأنت لازلت شابة لم تتزوجي؟ أجلي
أجلي ذلك حتى تتزوجي وتكبري في السن قليلا، ثم احتجبي، فربك غفور رحيم، فما تلبث
إلا أن تنزعه وتعود إلى ما كانت عليه في السابق.
أختاه، والذي نفسي بيده إني لأعرف كل الأعذار
التي قد تكون سببا في نظرك تمنعك من الحجاب.
-
أعرف أن شعرك ناعم وجميل، وأن طريقة لبسك تجعلك أكثر
فتنة لغيرك من الشباب.
-
أعرف أن حب الظهور لا زال مسيطرا على قلبك، فلازلت
الفتاة التي تحب فطرة أن يثني الجميع على جمالها من الذكور والإناث.
-
أعرف أن أوضاع المجتمع قد تغيرت، أعرف أن النت، والتلفاز،
والمدرسة، والصحبة، والأسرة ... كلها
عوائق تمنعك من ذلك.
-
أعرف أن نفسك ونفوسنا ضعيفة، وأن المعين على الدين قد قل
إن لم نقل انعدم ... أعرف ذلك كله، وأقسم بالله إني لأتفهم ذلك.
لكن أختاه، أرأيت لو أنك رأيت أحدا يضرب رجلا
في الشارع، حتى شججه، وكسر عظامه، وأسال دمه؟ أرأيت لو أنك رأيت هذا المشهد؟ -وكنت
قادرة على الكلام بالطبع- أما كنت ستنهالين على المعتدي بشتى أنواع الشتم والسباب،
لكونه مجرم حقيقي يستحق العقاب؟ أما كان المعتدى عليه سيكون محط اهتمامك
وتعاطفك؟ بلى، فأنا متأكد يقينا أنك ستقولين نعم، لأن هذه فطرة إنسانية عند الجميع،
لكن دعيني أقول لك بأن خروجك إلى الشارع
بكامل زينتك وفتنتك، ليفعل بالرجل أشد من ذلك بكثير، لكنك لا ترين ذلك لأنه أمر
داخلي، فيا أيها الأخت الفاضلة
المحترمة، حركي مشاعرك النبيلة التي هي فيك، وتعاطفي مع الشباب ولا تؤذيهم، ارحمي
الشباب ولا تفتنيهم، وسترين عواقب
ذلك على نفسيتك، حين تحسين أنك تقومين بعمل إنساني، لا يقوم به إلا من عنده نفس متقظة
حية، تحب الآخر وتحس به، تحترم الآخر
وتشعر به، لا تسعى لإيذائه وفتنه، بل لحمايته وحفظه، ولو كنت تعلمين وتفقهين، لكفى
ذلك عندك شرفا وفخرا.
ولقد خطرت ببالي الآن قضية مهمة جدا، وددت أن
أنبهك عليها، كمثال يجعلك تعرفين الغاية الأساسية من الحجاب غير غاية اللافتنة، وهي أن عددا من الفتيات، إذا أحبت إحداهن شابا
مثلا، فقد تفعل المستحيل من أجل استرضاءه ووصاله، بتضحيات قد لا تخطر على بال،
أليس كذلك؟ بلى، فإذا كان الأمر كذلك، فإن الله غيور، لا يريد أن يُشرَك معه أحد لا
في محبة، ولا في عبادة، ولا في أي شيء، ببساطة، لأنه يحبنا، فلو أنك أحببت شخصا مثلا، أكنت
تسمحين بأن يحب امرأة غيرك؟ طبعا لا .. فأنت تحبينه، هكذا بالضبط علاقتك بالله
عزوجل، إن أحببتيه وضحيت من أجله بكل شيء أحبك وأرادك، وما ذلك إلا ليعلم الله أي
المحبوبين أحب إلى قلبك حقا، الله أم الجمال؟ الله أم الشاب؟ سقت لك هذا المثال
لتعلمي أنه باحتجابك، تكونين قد فضلت الله عزوجل على الجمال والثناء، فتكون تضحيتك
دليلا على محبتك له سبحانه، لأن المحب دائما ما يضحي من أجل محبوبه و[المحب لمن
يحب مطيع] لكن السؤال المطروح الآن: هل تحبين الله عزوجل حقا؟ الجواب لك.
ثم تصوري معي يا من رزقت جمالا فتنتك، لو أن الله
خلقك ذميمة الوجه، قبيحة الشعر، معيبة الخلقة، ألست كنت ستفعلين المستحيل من أجل
تغطية عيوبك؟ بلى والله. إذن فلماذا لا تشكرين الله عزوجل؟ وتقومي بستر جمالك الموهوب، استشعارا منك لفضل الله
تعالى عليك ؟ فأنت والله تعيشين في فضل الله، وفي نعمة الله، وفي منة الله، فاشكريه
على إنعامه وأفضاله، واعلمي أن جمالك إنما هو حق لزوجك، فلا
تخدعيه وتشاركي غيره فيه، فأنت حقا كالوردة، والوردة التي يشمها الكثيرون، تفقد
عبيرها. وما فرض الله الحجاب على المرأة، إلا لصيانتها وحمايتها من عبث العابثين،
حتى تكون كالدرة المصونة، واللؤلؤة المكنونة، التي لا تصل إليها الأيدي الآثمة
المتسخة، فأنت إنسان لك كل مقومات
الإنسانية، وأبدا ما اعتبرك الإسلام جسدا فقط، لكن هناك ضوابط عامة، فرض الله
عزوجل بعضها على النساء، كما فرض بعضها على الرجال، لمصلحة تعود على الفرد وعلى
المجتمع بالخير العميم، كيف لا والله تعالى هو العليم الخبير.
ثم أريد أن أنبه إلى خطأ كبير، هو في الحقيقة أكبر
من التبرج نفسه، لكن لا تشعر به بعض أخواتنا. فحين تقول لبعضهن مثلا:[احتجبي] تقول
لك: [حتى أقتنع] أو [أنا حرة]. كيف؟ هل معنى ذلك، أني لا زلت لم أقتنع بأن في لبسه
فائدة، أم لا زلت لم أقتنع بأن طاعة الله واجبة. وهذا كما ترين بوضوح، أخطر من التبرج نفسه،
لأن التبرج معصية، والثاني إما اتهام لله عزوجل بالجهل، أو جهل بضرورة طاعة الأمر،
فيا أختي الكريمة، أنت لست حرة،
بل أنت -ونحن معك- عباد لله تعالى، والحجاب أمر رباني، وليس نظرية نحاول الاقتناع
بها، والآية تقول {وما كان لمومن ولا مومنة، إذا قضى الله ورسوله أمرا، أن تكون
لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله، فقد ضل ضلالا مبينا}
فلا تغتري بالواقع وتقولي:
الناس كلهم هكذا، فالكل قد ابتعد عن الدين، وإن التبرج واللهو والموسيقى والاختلاط
والزنا والكلام البذيء.. قد ملأ ديار
المسلمين وصار أمرا عاديا، فلِم أتوب وحدي؟ فالله لا يهمه الأمر ولو عصاه الجميع، والإنسان
مهمته أن ينقذ نفسه من النار، قال عزوجل:{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله،
والله هو الغني الحميد، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز}
أختاه، إني دائما ما أمثل لنفسي
مثلا، وأنا أدعوك لأن تتمثليه معي. توهمي لو أن نار مشتعلة تحت بيت أحد ما، فلما خرج
للشرفة لينظر ما الذي يحدث تحته، زلق فجأة
فسقط فيها، فاشتعل جسده كله بالنار. بالله عليك، وأنت تنظرين للمشهد حقا، كم سيكون
هلعك وخوفك، ورغبتك الشديدة في فعل شيء
لإنقاذه؟ بالطبع شيء كثير، هكذا إذن نحن خائفون عليك مما هو أشد من ذلك سبعين
مرة قبل أن تدركيه، فكيف تتركي مثل هذا
الكلام، لكلام يريد أصحابه إغفالك عن مصيرك، وإضلالك عن صراطك، لصراط لا يسوق إلا
لجهنم عياذا بالله؟
أختاه، لقد {اقترب للناس حسابهم وهم في
غفلة معرضون، ما ياتيهم من ذكر محدث من ربهم، إلا استمعوه وهم يلعبون، لاهية
قلوبهم} فهل يا أختاه تذكرت هذا اليوم، تذكرت أنه:"ما منكم إلا سيكلمه الله ليس
بينه وبينه ترجمان" تذكرت أنه سيأتي يوم ستقفين فيه أمام ربك لوحدك فيسألك،
هل حصل هذا فعلا؟ هل حصل؟ فإن حصل، هل أعددت للسؤال جوابا؟ سبحان الله، إذا كان
الله حين تجلى للجبل صار دكا، وخر لذلك موسى صعقا، ماذا نقول نحن؟ لا تمري أختاه على
هذا الأمر مرور الكرام، فوالله سنموت، وحينها من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن
يعمل مثقال ذرة شرا يره{وقالوا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا} والله إن ذنوبا قد قمت بها منذ
عشرين سنة، نسيتها، والله لتجدنها حاضرة في الكتاب، فتذكري أختاه، واعلمي أني
والله أود لك الجنة، ولا أتصور مطلقا تعرضك
للعذاب والنكال يوم القيامة، فكم من شباب وشابات، لم يتصوروا يوما أن الموت
سيفجأهم شبابا، فماتوا من غير توبة وعبادة لله تعالى، وأكيد أنك تعرفين نماذج من
هؤلاء - مشاهير وغيرهم - وأكيد أيضا، أننا لسنا بمنأى عن ذلك، فالموت حق، ولا ندري متى يفاجئنا؟ والدنيا أيام قليلة وتنقضي،
والحساب عسييييييييير.
لذلك اسمعي يا أختاه
نصيحة من يريد نجاتك وفلاحك في الدارين،
قومي أيتها الفاضلة وافزعي
إلى الله عزوجل، وتوبي إليه توبة نصوحا من جميع الذنوب والخطايا، توبة تغير شكل
حياتك رأسا على عقب، فلا الطموحات صارت كالطموحات، ولا المتمنيات صارت كالمتمنيات،
بل حتى التصرفات لم تعد كالتصرفات، ببساطة بالغة، تغير جذري في حياتك، يغيرك
صفحاتها وأوراقها،
من تلك الفتاة الغافلة اللاهية،
إلى تلك الفتاة المومنة الحيية، الطاهرة الزكية،
المؤدبة النيرة، العابدة القانتة، المتعلمة الفاهمة، ولك أن تقارني بين جمالك هذا
بالحجاب، وبين ما كنت تزعمين وتظنين أنه جمالا، ولا أظن أنك إن لبست الحجاب وذقت
حلاوته، أن تنتكسي فتنزعيه، فقط بادري وسترين. ثم على ما تخجلين؟ هل رأت عينك من
تخجل بفسقها؟ اعتزي بعفافك وحياءك، فشتان بينك وبين غيرك، وثقي بي، والله ما بقي
النساء نساء[كلام ساقط، تعاطي للمخدرات، تبرج وعري، غلظة وقسوة..] فما هذا؟
لذلك فإن
حزني كبير على حال بنات المسلمين -هداهن الله-، وعلى حال الأمة –رحمها الله-، فالأمة
اليوم تعاني وأكثر
من أي وقت مضى، بعدا عن الله عزوجل بشكل فاق الحدود، فاختلط الحق بالباطل، وحلت الرذيلة مكان
الفضيلة، وأصبح المعروف منكرا، والمنكر معروفا، وإن كان هذا يدل على شيء، فهو يدل على فتن آخر
الزمان التي أخبر عنها الصادق رسول الله، وإن التبرج لهو من تلك البلايا والرزايا
التي انتشرت في الأمة انتشار الطاعون في الأبدان، ونحن ما كتبنا لك هذه الرسالة
المختصرة، إلا لنحذرك منه، ونقول لك بكلام هادئ جدا: احتجبي يا أختاه .. فإن في
احتجابك .. طاعة لربك .. وجمالا لذاتك.
وها أنا أسوق لك أقوال الغربيين، -والتي لولا علمي أن مجموعة المسلمين
مهووسون بهم ما استدللت بها- حتى تزيد قناعتك بشريعتك.
-قال الأستاذ فون هرم: "الحجاب هو وسيلة الاحتفاظ بما يجب للمرأة من
الاحترام والمكانة الشئ الذي تغبط عليه" .
-قالت الكاتبة ارنون في جريدة الاسترن ميل:"لأن يشتغل بناتنا في
البيوت كخوادم، خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المصانع والمحلات والمعامل، ألا ليت
بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف والطهارة، فالخادمة والرقيق يتنعمان
عند المسلمين بأرغد عيش" - آه
لو اطلعت يا أرنون على واقع المسلمين، لما قلت ذلك، لأن ما قرأته في الكتب عن
الإسلام، وعن طريقة عيش المسلمين الأحرار، قد مات واندثر، فورث هذا
الجيل هذا الكنز، وهو لا يعرف قيمته- -قالت الزعيمة العالمية آنى بيزانت: "كثيرا ما يرد على فكري أن المرأة
في ظل الإسلام أكثر حرية من غيره، فالإسلام يحمي حقوق المرأة أكثر من الأديان
الأخرى التي تحظر تعدد الزوجات، وتعاليم الإسلام بالنسبة للمرأة أكثر عدالة وأضمن
لحريتها، فبينما لم تنل المرأة حق الملكية في انجلترا إلا منذ عشرين سنة فقط،
فإننا نجد أن الإسلام أثبت لها هذا الحق منذ اللحظة الأولى"...
أختاه، هؤلاء هم بعض من المنصفين الغربيين الذين يقولون ما يعتقدونه حقا،
لكن لا تغتري، فهم قلة، وإلا فإن هناك أعداء ما أكثرهم، يعتبرونك مغوية أمة
الإسلام، وسبب ضعفها وانحدارها، ويريدون أن يستخدمونك من حيث لا تشعرين، في هدم
هذا الصرح القوي المتين، الذي بناه سيد الأولين والآخرين، عن طريق وسائل الإعلام،
ومحلات الموضة وغيرها .. فحذار حذار أختاه أن تكوني ممن يساهم في ذلك، فالإسلام
أمانة في أعناقنا وسنسأل عنها يوم القيامة، وإن الأحزاب حزبان لا
ثالث لهما، إما حزب الله، وإما حزب الشيطان، وإني والله الذي لا إله غيره، لا أبغي
لك إلا الأول، وها أنا أسوق لك ما يقوله
أعدائك في مخططاتهم الدنيئة، حتى تعلمي نياتهم و تستشعري خطرهم:
- يقول المبشر الحقود على الإسلام صاموئيل زويمر، رئيس جمعيات التبشير في
مؤتمر القدس سنة 1935 "إن مهمة
التبشير التي نبذتكم الدول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال
المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم و تكريما، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم
من الإسلام، ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي
تعتمد عليها الأمم في حياتها، إنكم
أعددتم نشأ في ديار المسلمين، لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم
المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي، طبقا
لما أراد له الاستعمار، لا يهتم بالعظائم، و يحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه إلا
في دنياه، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا
جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات".
-يقول احد المعمرين "كأس وغانية، تعملان في تحطيم الأمة المحمدية،
أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة و الشهوات"
-قال «غلادستون» رئيس وزراء بريطانيا: «لن يستقيم حالنا في الشرق
ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة، ويغطى به القرآن» فانتبهي
-قال أحد نواب مجلس العموم البريطاني، وقد رفع المصحف "مادام هذا القرآن
موجودا في أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، و لا أن تكون هي
نفسها في أمان" والأقوال من
هذه لا تحصى.
وصدق الله العظيم القائل : {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد
إيمانكم كفارا، حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}
إنك يا أختاه تدينين
بدين عظيم من غير مجهود منك، في وقت لا زال هناك في الأمم الأخرى، من يصنع
الصاروخ، ويقول أنا أصلي قرد، ومن يصنع الحواسيب ثم يسجد للحجر، فكيف اصطفاك الله
تعالى أنت بهذا العطاء؟ هل استشعرت يوما ذلك؟ هل ذقت يوما طعم ترديد كلمة: أنا
مسلمة .. أنا مسلمة .. ؟ هل كان لها تأثير على قلبك أم لا؟ لابد أن يكون تأثيرها
على قلبك، وإلا فأنت لا زلت حقا لم تعرفي الإسلام بعد .
ثم هاهي قوافل التائبين إلى الله عزوجل والمقبلين عليه بدأت تزداد يوما بعد
يوم. في نظرك لماذا؟ لأنهم عرفوا حقيقة ما جهلت -الإسلام- تأكيدا من الله عزوجل أن هذا الدين باق إلى
يوم القيامة، وأن كل هذه الابتلاءات والمحن التي تعاني منها الأمة اليوم، إنما هي
سبب فقط، ليعلم الله الصادق من الكاذب، والمومن من المنافق، إذ أن سلعة الله
غالية، وسلعة الله هي الجنة، والجنة لن يدخلها إلا من يستحقها بحق.
ولك أيتها الأخت الفاضلة في قصص التائبات إلى الله عزوجل عبرة وأي عبرة،
خصوصا ممن عاشوا حياة بعيدة عن الله عزوجل، فتكرم الله عليهن بالهداية إلى هذا
الدين، فالله عزوجل:{ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}.
فابيان: عارضة الأزياء الفرنسية، فتاة في 28 من عمرها، جاءتها لحظة الهادية
وهي غارقة في عالم الشـهرة والإغراء.. انسحبت في صمت، وتركت هذا
العالم بما فيه، وذهبت لتمريض جرحى المجاهدين! وسط ظروف قاسية.

تقول فآبيان: لولا فضل الله عليَّ
ورحمته بي لضاعت
حياتي في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح
مجرد حيوان، كل
همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم
ولا مبادئ. منذ طفولتي كنت أحلم دائماً
بأن أكون ممرضة متطوعة، أعمل على تخفيف ألآم المرضى، ومع الأيام كبرت، ولَفَتُّ
الأنظار بجمالي ورشاقتي، وحرَّضني الجميع -بما فيهم أهلي-
على التخلي عن حلم طفولتي، واستغلال
جمالي في عمل يدرُّ
عليَّ الربح المادي الكثير، والشهرة والأضواء وكل ما
يمكن أن تحلم به
أية مراهقة، وتفعل المستحيل من أجل الوصول إليه، وكان الطريق أمامي سهلاً -أو هكذا بدالي- فسرعان ما عرفت طعم
الشهرة، وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم باقتنائها، ولكن كان الثمن غالياً، فكان يجب
عليَّ أولاً أن أتجرد من إنسانيتي،
وكان شرط النجاح والتألّق أن أفقد حساسيتي وشعوري، وأتخلى عن حيائي الذي تربيت عليه، وأفقد
ذكائي، ولا أحاول
فهم أي شيء غير حركات جسدي، وإيقاعات الموسيقى، كما كان عليَّ أن أُحرم من جميع المأكولات اللذيذة، وأعيش على
الفيتامينات الكيميائية والمقويات المنشطات، وقبل كل
ذلك أن أفقد مشاعري تجاه البشر، لا
أكره.. لا أحب.. لا أرفض أي شيء إن بيوت
الأزياء جعلت مني صنم متحرك مهمته العبث
بالقلوب والعقول،
فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية
مغرورة فارغة من الداخل، لا أكون سوى
إطار يرتدي الملابس، فكنت جماداً
يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر، ولم أكن وحدي المطالبة بذلك، بل كلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها، زاد قدرها في هذا العالم البارد،
أما إذا خالفت أياً من تعاليم
الأزياء فتُعرَّض
نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي
والجسماني أيضاً !وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل
ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل أو حياء،
لم أكن أشعر
بجمال الأزياء فوق جسدي المفرغ -إلا من الهواء والقسوة-
بينما كنت
اشعر بمهانة النظرات، واحتقارهم لي شخصياً،
واحترامهم فقط لما أرتديه. لما كنت أتحرك، كانت تصاحبني كلمة (لو) وقد علمت بعد إسلامي أن لو تفتح عمل
الشيطان، وقد كان
ذلك صحيحاً، كنا نحيا في عالم الرذيلة بكل
أبعادها، والويل لمن تعرض عليها.
وعن
تحولها المفاجئ من حياة لاهية عابثة
إلى أخرى تقول:
كان ذلك أثناء
رحلة لنا لبيروت المحطمة، حيث رأيت كيف يبني الناس هناك الفنادق والمنازل تحت قسوة المدافع، وشاهدت بعيني مستشفى للأطفال
في بيروت.. لم
أكن وحدي، بل كان معي زميلاتي من أصنام البشر، وقد اكتفين بالنظر بلا مبالاة كعادتهن،
لم أتكمن من مجاراتهن في ذلك، فقد انقشعت عن عيني في تلك اللحظة غُلالة الشهرة
والمجد والحياة
الزائفة التي كنت أعيشها، واندفعت نحو
أشلاء الأطفال في
محاولة لإنقاذ من بقي منهم على قيد
الحياة، لم أعد إلى رفاقي في الفندق حيث
تنتظرني الأضواء، وبدأت رحلتي نحو
الإنسانية، حتى
وصلت إلى طريق النور-الإسلام-،
تركت بيروت وذهبت
إلى باكستان، وعند الحدود الأفغانية عشت
الحياة الحقيقية، وتعلمت كيف أكون إنسانة، وقد مضى على وجودي هنا ثمانية أشهر، قمت بالمعاونة في رعاية الأسر التي تعاني من دمار الحروب، وأحببت
الحياة معهم،
فأحسنوا معاملتي، وزادت قناعتي في الإسلام ديناً ودستوراً للحياة، من خلال معايشتي له، وحياتي
مع الأسر
الأفغانية والباكستانية وأسلوبهم الملتزم في حياتهم
اليومية، ثم بدأت في تعلم اللغة
العربية، فهي لغة القرآن، وقد أحرزت في ذلك
تقدماً ملموسا، وبعد
أن كنت أستمد نظام حياتي من صانعي الموضة في العالم،
أصبحت حياتي تسير تبعاً لمبادئ دين الإسلام.
تصل
فابيان إلى موقف بيوت الأزياء العالمية منها بعد
هدايتها، وتؤكد أنها تتعرض لضغوط دنيوية مكثفة، فقد أرسلوا عروضاً بمضاعفة دخلها الشهري إلى 3 أضعافه، فرفضت بإصرار، فما كان منهم إلا أن أرسلوا إليها هدايا ثمينة لعلها تعود عن موقفها وترتد عن الإسلام، وتمضي قائلة: ثم توقفوا عن إغرائي بالرجوع، ولجئوا إلى
محاولة تشويه صورتي أمام
الأسر الأفغانية،
فقاموا بنشر أغلفة المجلات التي كانت تتصدرها صوري
السابقة، وعلقوها
في الطرقات، كأنهم ينتقمون من
توبتي، وحاولوا بذلك الوقيعة بيني وبين أهلي الجدد، ولكن خاب ظنهم والحمد لله. تنظر فابيان إلى يدها وتقول: لم أكن أتوقع أن يدي المرفهة التي
كنت أقضي وقتاً
طويلاً في المحافظة على نعومتها، سأقوم بتعريضها لهذه
الأعمال الشاقة وسط الجبال، ولكن هذه المشقة زادت من نصاعة وطهارة يدي، وسيكون لها حسن الجزاء عند الله"
إن هذه الأمثلة غيض من فيض، ويكفيك
أن تعلمي، انه يسلم سنويا 70000 فرنسي و20000 أمريكي و 14000 انجليزي و4000 ألماني ... و يوجد في أوربا
لوحدها 57000000 مسلم.
اعلمي أن هذا الدين منصور بنا أو
بغيرنا، ولكن نود أن تكوني داخل هذه
الصحوة التي بدأت تعرفها الأمة، خصوصا في فئة الشباب، فهلا شمرت وعزمت .. هيا نريد منك أن تكوني قدوة للشباب والعصاة
بحسن التزامك وتدينك.
قال الله تعالى:{ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من
الحق}
أفما آن الأوان بعد يا أختاه، كي تبيعي نفسك
إلى الله حقا، فإن خوفنا عليك كبير،
وأملنا في توبتك عظيم، فلا تلقي بيدك إلى التهلكة، فإن أثر ذلك علينا بليغ، واعلمي أن وعد الله
حق، فإما نعيم مقيم، أو عذاب أليم، فلا يغرنك بالله الغرور، قال عزوجل منبها: {ولا
تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين
مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} وقال أيضا مخوفا:{ويل لكل أفاك أثيم، يسمع
آيات الله تتلى عليه، ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه وقرا فبشره
بعذاب أليم}
أختاه، شروط الحجاب الشرعي الكامل أن يكون
ساترا لجميع البدن (مع الخلاف في الوجه والكفين) – واسعا – طويلا - غير شفاف - وأن
لا يكون ثياب زينة وشهرة - وأن لا يكون معطرا - وأن لا يكون مشتبها بلباس الرجال
والكافرات، لذا عليك بالجلباب أيتها العفيفة.
لكن هنا، وجب التنبيه على أمر مهم جدا، ألا وهو ما أصبح يعرف اليوم في زماننا بالحجاب العصري -وهو من خدع إبليس اللعين- والذي يتم بوضع ثوب فوق الرأس، ولبس أضيق الثياب
حجما، وأبهاها ألوانا، فتظن الأخت المسلمة بعد ذلك أنها احتجبت وصارت كذلك، وهذا
وهم، لأن هذا لا زال يحتاج إلى شروط أخرى. ولقد أعجبني كثيرا ما كتبته الداعية "نعمت"
وهي حرم العالم رشيد رضا في كتابها [التبرج]-وهو كتاب صغير أنصحك بقراءته- حين
قالت:"إن الله قد انزل آية الحجاب وهو يعلم أن من النساء من تتحجب للزينة
والفتنة، وتتجمل بالخمار، فتديره على رأسها مائلا ذات اليمين وذات الشمال، وتحليه
ببعض الحلية، حتى ليكون الخمار بنفسه زينة للناظرين، عكس ما أراد الله من جعله
ساترا لزينتها وفتنتها، وزعمت أنها أطاعت الله واحتجبت كما أمر الله، ألا فلتعلم
هذه المخادعة أن الله عليم بما في نفسها من شهوة التجميل والتبرج، وأنه لا يخفى
عليه ما في قلبها من الاحتيال والمخادعة، فرغبتها في أن تبدوا جميلة، وأن تحوز إعجاب
من يراها، ولو بالخمار، تبرج يمقته
الله، ومعصية يعاقب عليها، وإنه ليشق على المرأة الطائشة أن تستر جمالها المصطنع،
ويؤلمها أشد الألم ألا تفتن الناس بمحاسنها وأناقتها، وتترقب كلمة الاستحسان من
السفهاء فتطربها فرحا وترقص لها طربا، وأعجب العجب أن تحذو حذوها وتعمل عملها،
مثقفة، متنورة، متخرجة من الكليات، حاملة لأعلى الشهادات، فتتغافل عن أمر الله، وتتبرأ
من الخمار، و تبيح لنفسها ما حرم ربها، مستهترة بغضبه، مصرة على اتباع هواها {ومن أضل
ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}..
قال عطاء ابن أبي
رباح: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما،"ألا أُريك امرأةً من أهل الجنة؟ قلت:
بلى. قال: هذه المرأةُ السوداء، أتت
النبي فقالت إني أُصرع،
وإني أتكشف فادعُ الله لي. قال: إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن
يُعافيكِ. فقالت: أصبر، فقالت إني أتكشف فادعُ الله لي ألا أتكشف فدعا لها"(م ع) فلله درها كان همها الذي
أقلقها أن ينكشف شيئاً من جسدها مع أنها معذورة!
بعد كل هذا، أكيد
أنه سيأتي الشيطان ويقول لك: والزواج؟ ردي عليه فقولي، أنا لست سلعة تعرض، من أراد
الزواج بي فقط لجمالي، سيتركني مع أول جميلة يراها بعدي، ومن أرادني لديني، فهذا
هو الذي سيحميني، ويكون وفيا لي، ومعه أعيش أسعد
لحظات عمري، لذلك اعلمي يا أختي الغالية، أن
جنتك وسعادتك وقرة عينك، هو زوجك وبيتك لا غير، فإياك إياك من زوج فاجر فاسق تقبلين
به زوجا لك، فأنت جوهرة لا يليق أن ترمى في الزبال.
هذا واعلمي بيقين: [أن من ترك شيئا لله، عوضه
الله خيرا منه] وإننا كما نحب لأنفسنا الجنة، نحب ذلك بصدق لسائر إخواننا وأخواتنا، وصلى
الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

أتمنى أن لا يكون
هذا الكلام مجرد رسالة عابرة في حياتك، كرريها كلما غرك الشيطان، ولا تتركيها تقف عندك، انشريها، لعل الله
يفتح على يديك توبة أناس غافلين.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire