dimanche 2 mars 2014

قصص بعض من شرح الله صدرهم للتوبة (تتمة)


قصص بعض من شرح الله صدرهم 


للتوبة

(تتمة)

القصة الثالثة: توبة والد الشيخ أحمد القطان

الشيخ أحمد القطان -جزاه الله خيراً- كان هو السبب -بعد توفيق الله- في هداية والده، يروي لنا القصة فيقول: أصيب والدي 

-رحمه الله- بمرض في الغوص حيث كانوا على ظهر سفينة، فضربتهم صاعقة.. فقد كانوا داخلين في شط العرب يحملون التمور، 

وكانت هناك سفينة كويتية معطلة تحتاج إلى بعض التصليح، فطلب ربّان هذه السفينة من ربّان السفينة الأخرى التي فيها والدي، 

أن يساعده فيجر معه (المحمل) حتى يخرجه من المكان الضحل إلى المكان العميق. فوعده أن يساعده في وقت آخر بعد أن يستقي 

الماء ويجره إلى المكان العميق، إلا أنه كان مستعجلاً وكان محمّلا بضاعـة ثقيلة فلم يف بوعده إذ (خطف) بالليل خفيـة وترك 

صاحبه الذي وعده، قال والدي -رحمه الله -: فلما خرجنا من الخليج العربي، جاءت سحابة فوق السفينة، فبرقت ورعدت ونزلت 

منها صاعقة على الشراع فاحترق كله.. فكان والدي ممن أصيب بهذه الصاعقة، إذ أصيب بمرض أشبه بالشلل. وكان التجار 

يلومون ربان السفينة ويقولون له: لو أنك ساعدت ذلك الرجل صاحب السفينة المعطلة لما حدث ما حدث... ولكن... قدرّ الله وما 

شاء فعل... ثم عادوا بوالدي -رحمه الله- إلى بيته، وأصبح مقعداً لا يستطيع المشي وأكل ما عنده من مدخرات حتى أصبح يخرج 

وهو يزحف إلى الشارع لعله يجد من يجود عليه ولو بكسرة خبز.



ولما بلغت به هذه الحالة وامتد مرضه ما يقارب العشر سنوات، وهو جالس البيت بلا علاج، وصفوا له شيخاً من المنتسبين 

للدين، يقرأ على الناس الآيات والأحاديث للاستشفاء. واستدعي ذلك الشيخ الذي يسمونه (الملا) وكان أول سؤال وجّهه إلى 

والدي -مع الأسف الشديد- :   (كم تدفع على هذه القراءة؟! فقال والدي -رحمه الله- : أنا رجل فقير ومقعد، وليس معي في جيبي 

إلا هذه النصف روبية، هي ثمن طعامي  أنا ووالدتي .. فقال (الملا) هذه لا تكفي .. وطلب أكثر من ذلك .. فلما لم يعطه والدي ما 

يريد خرج ولم يقرأ عليه شيئاً.


وهنا أحسّ والدي بامتعاض شديد، وتولد عنده ردّ فعل عنيف، جعله يكره الدين، ويكره من ينتسب إلى هذا الدين، وأصبحت هذه 

الحادثة دائماً على لسانه، لاسيما وأنه كان فصيحاً وذكياً، يقول الشعر ويضرب الأمثال.. فسلط تلك الفصاحة وذلك الذكاء، 

للسخرية  بالمتدينين بسبب ذلك الموقف الذي وقفه ذلك الملا. ومرت الأيام، ويقدر الله -جل وعلا- أن يأتيه رجل فيقول له: لماذا لا 

تذهب إلى المستشفى (الأمريكاني) الذي يمدحه الناس ويثنون عليه، وفيه طبيب جيد اسمه سكيدر.. الخ، وهو مستشفى تابع 

لإرساليات التبشير (النصرانية) التي تعمل لتنصير المسلمين أو إخراجهم من دينهم على الأقل.. فقال والدي ولكن كيف أستطيع 

الوصول إلى هذا المستشفى وهو بعيد عن بيتي؟ وأنا لا أستطيع المشي. ولم تكن في ذلك الوقت مواصلات تنقلهم كما هو الآن، إلا 

عند أناس يعدون على الأصابع، ومن هؤلاء المعدودين ذلك المستشفى المذكور، حيث كان يملك سيارة وعند الدكتور سكيدر.. 

وعند أذان الفجر زحف والدي رحمه الله على فخذيه من بيته إلى المستشفى (الأمريكاني)  فما وصله –زحفاً- إلا قبيل الظهر وكان 

ذلك في فصل الصيف.



فلما وصلت إلى جدار المستشفى لم تبق فيّ قطرة ماء لا في فمي ولا في عيني ولا جسمي، وأحسست أن الشمس تحرقني وأكاد 

أموت، حتى إني لا أستطيع أن أتكلم أو أصرخ أنادي، فدنوت من الجدار ونمت، وبدأت أتشهد استعداداً للموت. يقول: ثم أغمي 

عليّ وظننت أني متّ، فلما فتحت عيني إذا أنا في بيتي وبجواري دواء، قال: فسألت الناس الذين كانوا يعالجون في المستشفى: 

ماذا حدث؟ فقالوا: إن الناس قد أخبروا الطبيب بأن هناك رجلاً قد أغمي عليه عند جدار المستشفى، فنظر من النافذة فرآه، فنزل 

مع الممرضين وحملوه ودخلوا به، ثم بعد ذلك قام بتشخيصه تشخيصاً كاملاً حتى عرف المرض، وأعطاه حقنة، ثم بعد ذلك أعطاه 

الدواء، وحمله بسيارته الخاصة، وأوصله إلى البيت. قال والدي رحمه الله: فلما وضعتُ يدي في جيبي، وجدتُ بها خمس روبيات، 

فسألت: من الذي وضع هذه الروبيات في جيبي؟ فقالت الوالدة وضعها الدكتور الذي أحضرك إلى هنا!! وهنا يظهر الفرق الكبير 

بين ما فعله هذا (المبشر) النصراني وبين ما فعله ذلك (الملا) سامحه الله. إن هذا النصراني لم يدعُ والدي إلى دينه بطريقة 

مباشرة، وإنما أحسن معه المعاملة لكي يستميل قلبه، ومن أصول الإرساليات التبشيرية (التنصيرية) التي تدرس لهم، وقرأناه في 

الكتب ودرسناها نحن، أنه ليس من الشرط أن تجعل المسلم نصرانياً -إن جعلته نصرانياً فهذا تشريف للمسلم (هكذا يقولون)- 

ولكن إذا عجزت أن تجعله نصرانياً فاحرص على أن تتركه بلا دين، فإن تركته بلا دين، فقد حققت المطلب الذي نريد. الشاهد أن 

الوالد رحمه الله شُفي وقام يمشي، وظل ذلك الطبيب يزوره في كل أسبوع مرة، ويتلطف معه ويمسح عليه، وينظفه ويعالجه، 

إلى أن تحسنت صحته، وقام يمشي، وبدأ يعمل، ثم بعد تزوج، فلما رزقه الله بابنه الأول -وهو أنا- ظل ولاؤه لهذا الطبيب لدرجة 

أنني لما بلغت الخامسة من عمري وبدأت أعقل بعض الأمور، كان يأخذني كل أسبوع في زيارة مخصصة إلى ذلك الدكتور، 

ويلقنني منذ الصغر ويقول: انظر إلى هذا الرجل الذي أمامك، إنه هو سبب شفاء والدك، هذا الذي كان يعالجني في يوم من الأيام، 

ويضع في جيبي خمس روبيات، بينما يرفض (الملا) علاجي، لأني لا أملك هذه الروبيات، ثم يأمرني بتقبيل يده، فأقوم أنا وأقبل 

يده، واستمرت هذه الزيادة المخصصة لذلك الدكتور إلى أن بلغت العاشرة من عمري، في كل أسبوع زيارة، وكأنها عبادة، يدفعني 

إليه دفعاً لكي أقبّل يده، ثم بعد ذلك، استمر والدي يسخر من المتدينين ويستهزئ بهم، فلما هداني الله إلى الطريق المستقيم، 

وأعفيت لحيتي، بدأ يسخر ويستهزئ باللحية.     فقلت في نفسي: إنه من المستحيل أن أنزع صورة ذلك (الملا) من رأسه، وصورة
 
ذلك الدكتور من رأسه أيضاً، إلا أن أحسن المعاملة معه أكثر من (الملا)، وأكثر من الدكتور وبدون ذلك لن أستطيع.


فظللت أنتظر الفرصة المناسبة لذلك، طمعاً في هداية والدي، وجاءت الفرصة المنتظرة، ومرض الوالد مرضاً عضالاً، وأصبح
 
طريح الفراش في المستشفى، حتى إنه لا يستطيع الذهاب إلى مكان قضاء الحاجة إذا أراد ذلك، وكنتُ أنا بجواره ليلاً ونهاراً، 

فقلتُ في نفسي: هذه فرصة لا تقدّر بثمن. وفي تلك الحال كان -رحمة الله عليه- يتفنّن في مطالب، يختبرني هل أطيعه أم لا؟
ذ

ومن ذلك أنه في جوف الليل كان يأمرني بأن أحضر له نوعاً من أنواع الفاكهة لا يوجد في ذلك الوقت، فأذهب وأبحث في كل 

مكان، حتى أجدها في تلك الساعة المتأخرة ثم أقدمها له فلا يأكلها.. فإذا أراد أن يقضي الحاجة، لا يستطيع القيام، فأضع يدي تحت 

مقعدته حتى يقضي حاجته في يدي.. ويتبول في يدي.. وأظل واضعاً يدي حتى ينتهي من قضاء الحاجة، وهو يتعجّب من هذا 

السلوك، ثم أذهب إلى دورة المياه وأنظف يدي مما أصابهما. وقد تكررت هذه الحادثة في كل عشر دقائق مرة نظراً لشدة المرض، 

حتى أنني في النهاية لم أتمكن من وضع يدي كلما تبرز أو تبول لكثرة ذلك. فلما رأى والدي هذا التصرف يتكرر مني أكثر من 

مرة، أخذ يبكي، فكان هذه البكاء فاتحة خير وإيمان في قلبه، ثم قال لي: إنني ما عرفت قيمتك إلا في هذه اللحظة، ثم سألني: هل 

جميع هؤلاء الشباب المتدينين مثلك؟.. قلت له: بل أحسن مني، ولكنك لا تعرفهم، وكانوا يزورونه ويسلمون عليه، فبدأ يصلي 

ويصوم، ويحب الدين، ويذكر الله، ولا يفتر لسانه عن ذكر الله، وقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأسبغ الله عليه هذا الدين 

فقلتُ: سبحان الله.. حقاً إن الدين هو المعاملة



القصة الرابعة: توبة شاب في روما


روما عاصمة إيطاليا، معقل النصرانية ومقر الفاتيكان، هناك، عاد هذا الشاب إلى ربه فوجد حلاوة الإيمان، ولكن على يد 

من؟ على يد فتاة إيطالية كانت سبباً في هدايته، حدثني بنفسه 

عن قصته فقال: ولدتُّ في مدينة الرياض، ونشأتُ بين أبوين 

مسلمين، وفي مجتمع مسلم معروف بصفاء العقيدة وسلامتها 

من البدع والخرافات، منذ الصغر كانت لي ميول (فنية) في 

الرسم والتشكيل، لذا تخصصت في هذا الفن، وحزتُ على شهادة في التربية الفنية، وعملتُ في سلك التدريس معلماً لهذه المادة، 

لمدة عام كامل، ثم أُعلن عن بعثة إلى إيطاليا للدراسة   في مجال الفن وهندسة الديكور، فسارعت إلى التسجيل، فكنت ضمن قائمة 

المرشحين للسفر في هذه البعثة. سافرتُ إلى إيطاليا -وكان ذلك عام 1395هـ- وكان اتجاهي آنذاك منحرفاً، نعم.. كنتُ مقراً بالله 

وبالرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لا أقيم شعيرةً من شعائر الله، اللهم إلا النطق بالشهادتين، وماذا يغني قول بلا عمل؟! مضتْ 

عليّ سنتان وأنا على هذه الحال، اكتشفتُ خلالها حقيقة الحياة الغربية، وما يمكن أن أصل إليه في المستقبل، إن أنا سرتُ في هذا 

الطريق، نظرتُ إلى من حولي، فلم أر إلا قطعان من الذئاب والحيوانات البشرية، التي لا همَّ لها إلا الأكل والشرب واللهو، والسعي 

وراء الشهوة بأي ثمن، فساد أخلاقي، أثرة وحب للذات، هذا ما رأيته بنفسي، وبما تعلمتُه من مجتمعي المسلم المحافظ. كنتُ 

أحدّث نفسي دائماً وأقول: لابدّ وأن يأتي يوم أعود فيه إلى الله وألتحق بركب الإيمان، ولكن متى؟ لا أدري.


 ومضتِ الأيام وأنا على تلك الحال من الغفلة والضياع إلى أن قررتُ الالتزام، فبدأتُ بالمحافظة على الصلاة وبعض الشعائر

 الظاهرة، فكان التزاماً ظاهرياً فقط، دون إدراكٍ لروح الدين وحقيقته، كنتُ أقيم هناك في مدينة تدعى (فلورنسا)، وفي إحدى 

الإجازات كان من المقرر أن أسافر بالقطار إلى روما -أنا وصاحب لي- لقضاء بعض الأعمال، وفي اليوم المحدد للسفر شاء الله 

-عز وجل- أن نصل متأخرين إلى محطة القطار، وتفوتنا الرحلة، فوجدنا قطاراً آخر. كان هذا القطار قد امتلأ بالركاب، وأوشك 

على المسير، فكنتُ أنا وزميلي آخر راكبين قبل إغلاق الباب. نظرنا يميناً وشمالاً فلم نر مقعداً خالياً، فأخذنا نبحث عن مكان نجلس 

فيه، وبعد زمن ليس بالقصير لمحت مقعداً خالياً في إحدى المقصورات، بينما وجد صاحبي مقعداً آخر في المقصورة التي تليها. 

دخلتُ إلى تلك المقصورة -وهي في العادة تتسع لستة أشخاص-  فلم يكن بها إلا أربعة فقط كلهن نسوة، أما المقعدان الباقيان 

فقد كانا مشغولين ببعض الحقائب، فاستأذنتهن في إخلاء المقعدين والجلوس فيه فأذنّ لي. ثلاث ساعات ونصف الساعة هي 

المسافة الزمنية بالقطار بين فلورنسا وروما.. مضتْ ساعتان ولم يتفوه أحد منا بكلمة واحدة.. بعضنا كان يقرأ، والبعض الآخر 

كان يقلب نظراته تارة من خلال النافذة وتارة في وجوه الآخرين. كنتُ أحمل في يدي كتيباً صغيراً ولكني شعرت بالملل -وهو ما 

لاحظته على وجوه البقية- فأردتُ أن أكسر حاجز الصمت، وأبدأ في الكلام. فقلتُ: إننا منذ ساعتين لم نتحدث ولم ننطق بكلمة 

واحدة، فوافقنني على ذلك، وبدأ النقاش. قالت إحداهـن: من أين أنت؟ قلت: من السعوديـة.. وأنت؟ قالت: أنا إيطاليـة ]نصرانية[  

وجاء دور الثالثة لتعرّف بنفسها فقالت: إنها يهودية من إسرائيل.



ما أن أطلقتْ هذه اليهودية كلمتها حتى انتفضتُ كما ينتفض العصفور إذا بلله القطر، وتمعر وجهي، وتسارعت نبضات قلبي، 

فكانت تلك نقطة التحول(يهودية من إسرائيل) قالتها بتحدٍ واضح وتعالٍ واستكبار، وكأنها تقول لي: إنني من الأرض التي 

انتزعناها من أيديكم وطردناكم منها فمتْ بغيظك، كانت لحظات معدودة ولكني أذكر تفاصيلها بدقة ولن أنساها ما حييت، ثم تفجر 

البركان، لقد فقدتُ شعوري في تلك اللحظات، وانفجرتُ بالكلام على الرغم من قلة بضاعتي في العلم الشرعي، بل حتى في التحدث 

مع الآخرين، وقمت بشن هجوم عنيف لا هوادة فيه على هذه اليهودية، وقلتُ كلاماً كثيراً -لا أتذكره الآن- ولم يتوقف هذا البركان 

المتدفق عن الكلام المتواصل إلا حينما توقف القطار في محطته في روما، ساعة كاملة ونصف الساعة من الحديث المتواصل دون 

انقطاع، كانت الأفكار تتدفق كالسيل، وتسبق الكلام أحياناً،   على الرغم من ضحالة ثقافتي العامة -كما أسلفت- إلا فيما يتعلق 

بالألوان والرسم. وإن مما أذكره الآن أنني بدأت بالقضية الفلسطينية،    وأن اليهود مغتصبون وخونة، وهي عادتهم على مرّ 

التاريخ، وأنهم شعب مشرد جبان.. الخ، وجرني هذا الحديث إلى الحديث عن الديانة اليهودية وما طرأ عليها من التحريف، وكان 

من الطبيعي أن يجرني الحديث إلى النصرانية كذلك وما طرأ عليها من تحريف النصارى..   وهذه هي المرة الأولى التي أتحدث 

فيها عن مثل هذه الموضوعات المتعلقة بالأديان، وواصلتُ الحديث بحماس واندفاع منقطع النظير..    وقد ظهرت واضحة أثناء 

حديثي الحمية الدينية والقومية والوطنية، وما شئت من الحميات، لاسيما وأنني لم أكن آنذاك قد التزمت التزاماً حقيقيا، وبعد 

الفراغ من الحديث عن الديانتين اليهودية والنصرانية؛ تحدثت عن الإسلام وسماحته ويسره، ومن ثم عقدتُّ مقارنة بين هذه 

الديانات الثلاث، وأنا حين أتذكر ذلك أضحك من نفسي، وأعجب كيف حدث هذا، كنتُ أتحدث والجميع ينصتون إليّ، وقد حدجوني 

بأبصارهم إلا اليهودية، فقد نكّست رأسها خوفاً أو خجلاً -لا أدري- ولسان حالها يقول: ليتني لم أقل شيئا، ولما توقف القطار كانت 

أول نازل منه، أما الأخريات فقد شكرني على ما قلتُ إما مجاملة أو خوفاً.. لا أدري أيضاً.


وعند نزولي من القطار كانت الإيطالية تنتظرني -وهي فتاة في العشرينات من عمرها- فأثنتُ على ما قلتُ وطلبتْ مني مزيداً من 

المعلومات عن الإسلام، فأخبرتُها بأني لا أعلم الآن شيئاً غير ما قلته، ولكني سأحاول البحث مستقبلاً، وسؤال أهل العلم عما 

يشكل، وكتبتُ لها عنواني، ومن توفيق الله أنها كانت تسكن في ذات المدينة التي أسكنها وهي فلورنسا، وأنها قدِمتْ إلى روما 

لعمل وستعود بعد أيام، وأنا كذلك. كانت تسكن في فلورنسا مع أخيها للدراسة بعيداً عن أهلها الذين يسكنون في الجنوب. وفي 

أول لقاء تم بيننا، كان الحديث عادياً بعيداً عن الدين، وتكررتْ الزيارات بيننا، وكنتُ أتجنب الحديث عن الدين لوجود أخيها معنا، 

ولكنها هي كانت تسألني دائماً عن الإسلام، فقد كان لديها شغف عجيب للتعرف على هذا الدين، وكما قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ 

يَّهْدِيَه يَشْرَحْ صَدْرُه لِلإسلام، وَمَنْ يُّردْ أنْ يْضِلَّه يَجْعَلْ صَدْرَه ضَيِّقاً كأنمّا يَصَّعَدُ في السَّمَاءِ} أما أخوها فلم يكن يعجبه الحديث حول 

هذه الأمور، فكان يتهرب عند اللقاء ويبتعد عن المجلس، متظاهراً بالانشغال بأمور أخرى، كانتْ تسألني أسئلة كثيرة معظمها لا 

أعرف له جواباً، فكنتُ لا أجيبها إلا بعد سؤال أهل العلم أو البحث والقراءة. والحقيقة أنني -بسبب أسئلتها- تبينتُ حقيقة نفسي 

وجهلي المطبق بأحكام ديني الذي تنكرت له زمناً طويلاً.


وفي الإجازة عدتُ إلى المملكة في زيارة، وعند عودتي حملتُ معي مجموعة من الكتب في أصول الدين وفروعه، وانهمكتُ في 

القراءة بشغف شديد ونهم غير معتاد، كنتُ أقرأ أولاً، ثم أحاول فهم ما قرأته فهماً جيداً لأترجمه إلى الإيطالية بعد ذلك، ومثل هذا 

العمل يستغرق وقتاً طويلاً وجهداً مضاعفاً، وهناك قدّر الله عليّ بمرض أُدخلت بسببه المستشفى، وقد مكثتُ فيه خمسة عشر 

يوماً، وخلال هذه الأيام المعدودة قرأت صحيح الإمام مسلم بكامله، وقمتُ بترجمته لها، ولك أن تتخيل مدى الجهد، الذي يمكن أن 

يبذل في مثل هذا الأمر -قراءة وترجمة- خلال هذه المدة القصيرة، فقد كنتُ أقرأ يوماً وأترجم ما قرأته في اليوم التالي، فتغيرتْ 

حياتي ومفاهيمي وسلوكي، وأصبحتُ إنساناً آخر غير ذلك الإنسان العابث اللاهي، أما هي فقد اقتنعتْ بالإسلام، وقالت لي بكل 

وضوح: (إنني الآن مسلمة) لقد أسلمتْ هذه الفتاة الإيطالية في معقل النصرانية، إلا أنها لم تعلن إسلامها، وإنما جعلته بينها وبين 

 ربها، وأصبحتْ تحرص على تطبيق تعاليم الإسلام في كل ما تعلم، ومن ذلك اللباس والمأكل والهيئة، وعَلِمَ أخوها بالخبر، فأرسل 

إلى أهله يخبرهم بما حدث، فغضبوا عليها وقطعوا عنها المعونة الشهرية، وبدؤوا بمضايقتها وتهديدها عن طريق الرسائل 

وغيرها، إلا أن ذلك كله لم يصدها عن اتباع الدين الحق، لاسيما وأنها منذ البداية لم تكن مقتنعة بدين النصارى وخرافاتهم، فقد 

كانت تمقت وبشدة شرب الخمر الذي يعتبرونه دم المسيح عليه السلام، كما كانت تمقت التعري على البحر، وتعاف لحم الخنزير، 

ومنذ أن بلغتْ 7 من عمرها لم تدخل الكنيسة قط، وبالجملة كانت تمقت دين النصارى بكل ما فيه من شرك وخرافات. كنتُ أعلم 

أنها في ضائقة مالية، ولكني تعمدتُّ ألا أعطيها شيئاً من المال إلا القليل، لأرى صدق إيمانها ويقينها؛ فكانت صادقة والحمد لله. 

ولما كثرتْ التهديدات والمضايقات من أهلها، قامتْ بتوكيل محامٍ للدفاع عنها، فكفاها الله شرهم، وكفوا عن أذاها، وأعلنتْ 

إسلامها، وبدأتْ في التطبيق بشكل جدي، وبحماس شديد يفوق حماس بعض المسلمات العربيات هناك، بل كانتْ تنصحهنَّ أحياناً 

حتى أصبحن يتوارين منها خجلاً، ولم يكن ذلك بفضلي وإنما بتوفيق الله عز وجل وحده، بل لقد كانت هي سبباً في هدايتي 

ورجوعي إلى الله، لم أكن آنذاك متزوجاً، وفي الوقت نفسه لم أكن أفكر في الزواج من أجنبية، فقد كنت ولازلتُ ضد ذلك، وقد كنتُ
 
تقدمتُ لخطبة إحدى الفتيات السعوديات هناك، وكان من المقرر أن يتمَّ الزواج بعد الإجازة، وحينما ذهبتُ إليهم بصحبة هذه الفتاة 

الإيطالية -وقد أرادتْ أن تستفيد منهم- أساؤوا بي الظن، مما أدى إلى سوء تفاهم بيننا، ومن ثمّ تأجيل الزواج أو إلغاؤه، ولكنهم 

بعد زمن علموا حقيقة الأمر وإني ما أردتُّ إلا خيراً.


 وشاء الله أن يحدث بيني وبين تلك الفتاة خلاف، فغضبتُ عليها، فجاءني أحدهم ليصلح بيننا، فعجبتُ لمجيئه، وهو الذي أساء بي ا

لظن من قبل، وفسخ خطوبتي من قريبته، فأخبرني بأنه قد علم حقيقة الأمر، وأنه يأسف لما حدث، ثم نصحني بالزواج من تلك 

الفتاة الإيطالية، وترك التفكير في قريبته، وهنا انقلبت لدي كل الموازين، فأنا لم أكن أفكر في الزواج من أجنبية أصلاً، بل لقد 

أخبرتُ صاحبتي الإيطالية بأني لن أزوجها وألا تفكر في ذلك أبداً –علماً بأن علاقتي بها كانت نظيفة، لا يشوبها فعل محرم حتى 

أني لم أخلُ بها قط- ولكن عندما عرض عليّ الأخ هذا الموضوع بدأت أضرب حسابات أخرى، وفكرتُ في الأمر جدياً، فاستخرتُ 

الله عز وجل وانشرح صدري لذلك ففاتحتها بالموضوع..


لم تصدق بادئ الأمر وظنتْ أني أسخر منها، ولكني أخبرتُها أن الأمر جد، فوافقتْ بلا تردد، لاسيما وأن الظروف كانتْ مهيأة 

لإتمام هذه الزيجة. فقمنا بإتمام عقد النكاح على سنة الله ورسوله، ورزقتُ منها بأربعة أولاد -ولله الحمد- ونحن الآن نعيش في 

سعادة وهناء، وقد أنهيتُ بعثتي وعدتُّ إلى أرض الوطن.. ذهبتُ ضالاً وعدتُ مهتدياً غانماً، فلله الحمد والمنة.


0 commentaires:

Enregistrer un commentaire